كانت هي الحكم الأولي ، لارتفاع سبب التقية التي كان الحكم المبين بالدليل الأسبق جاريا على مقتضاها.
ويقتضيه قوله عليهالسلام : «إنا والله لا ندخلكم إلا في ما يسعكم» وقوله عليهالسلام : «أبي الله إلا أن يعبد سرا. أما والله لئن فعلتم إنه لخير لي ولكم ، أبى الله عزوجل لنا في دينه إلا التقية». لمناسبتهما لتوجيه اختلاف نفس الحكمين المحكيين بالدليلين ، وفعلية الحكم الأخير ، لأن ذلك هو الذي يسع الشيعة في مقام العمل ، ويكون خيرا لهم ، ويرجع إلى عبادة السر والتقية عملا. لا لتوجيه اختلاف نفس الدليلين في بيان الواقع ، الراجع للتقية في الفتوى التي هي من وظيفة المفتي ، من دون أن يجب العمل عليها واقعا.
كما يناسبه ما تضمنه حديثا الكناني والحسين من رجوع الراوي بطبعه للمرجح المذكور ، إذ من الظاهر أن الأمر الارتكازي هو العمل على الحكم الأحدث الذي يدركه إمام الوقت ، لا ترجيح الحجة الأحدث ، بلحاظ كاشفيتها.
وعلى ذلك فاختلاف الحديثين في الحكم إن كان مع وحدة الحكم المحكي بهما ـ وهو الحكم الأولي الثابت بأصل التشريع غير القابل للتبدل مع عدم النسخ ـ فالمتعين التكاذب بينهما والتعارض الذي هو موضوع المرجحات الإثباتية المتقدمة ، ولا مجال معه للعمل بالأحدث.
وإن كان مع تعدد الحكم المحكي بهما ، وهو الوظيفة الفعلية ـ وإن كانت ثانوية بسبب التقية ـ التي تختلف باختلاف الأزمنة والأحوال ، فلا تكاذب بينهما ولا تعارض في الحقيقة ، ليكونا موضوعا للمرجحات الإثباتية المتقدمة ، بل يتعين العمل على الأحدث منهما ، كما تضمنته هذه النصوص. ومرجع ذلك إلى أن الترجيح بالأحدثية لا يجري مجرى سائر المرجحات ، بل هو مختلف معها سنخا وموضوعا.