اختلاف مناط القاعدتين ، والفرق بين هذا الاحتمال وسابقه ممّا لا يخفى ، فإنّ الرافع للجهل في السابق هو معرفة ذات الشيء من الرجوع إلى الواقع أو السؤال عن أهل الخبرة ، بخلاف هذا الاحتمال فإنّ رافع الاشتباه هو الدليل الشرعي كما مرّ غير مرّة.
ثمّ إنّ هذه الوجوه المحتملة كلّها مشتركة في أنّ الحكم المأخوذ فيها هو الحكم الظاهري لمكان الغاية وإن اختلفت في أنّ مفاد الأوّل هو اعتبار قاعدة الاستصحاب ، ومفاد الثاني والثالث هو اعتبار العلم في الحكم بالنجاسة ، فيكفي في الحكم بالطهارة عدم العلم بالنجاسة والشكّ فيها وإن اختلفا أيضا في اختصاص الثاني بالموضوعية (١) ، والثالث بالحكمية.
وهل يمكن إرادة المعاني الثلاثة من الرواية بأخذ معنى عامّ شامل للوجوه الثلاثة مع ما عرفت في الأخيرين من الاحتمال ، أو لا؟ وجهان : ذهب المحقّق القمي (٢) إلى العدم نظرا إلى اختلاف الشبهة الحكمية والموضوعية في لزوم الفحص وعدمه ، وفي رفع الجهل فيهما ، فإنّ الحكمية جهلها يرتفع بالدليل دون الموضوعية ، وعدم حصول العلم الوجداني في الأحكام دون الموضوعات ، فاستعمال الرواية فيها يوجب إرادة أكثر من معنى واحد مع عدم الجامع من اللفظ.
وزعم بعض الأجلّة إرادة المعاني الثلاثة من الرواية فقال : إنّا لا نلتزم بأنّها مستعملة في كلّ واحد من المعاني المذكورة على الاستقلال حتّى يلزم ما ذكره ، بل في القدر المشترك بينهما كما بيّناه (٣) ، انتهى.
فالمراد من الرواية أنّ الجزئيات الخارجية المجهولة حكما أو موضوعا ، سواء كانت مسبوقة بالعلم أو لا ، يحكم فيها بالطهارة حتّى يرتفع الجهل ويحصل العلم في كلّ واحد بحسبه ، ففي الموضوعات بالرجوع إلى أهل الخبرة ، وفي الأحكام بالرجوع إلى
__________________
(١) « ز ، ك » : في الاختصاص بالموضوعية.
(٢) القوانين ٢ : ٦٤ وفي ط : ص ٢٧١.
(٣) الفصول : ٣٧٣.