وأمّا الثاني : فلأنّه (١) بعد تسليم الحاجة إلى استصحاب الموضوع نقول : لا شكّ في أنّ الوجه في احتياج استصحاب الحكم إلى إحراز الموضوع على ما مرّ إنّما هو امتناع قيام العرض بلا جوهر أو انتقاله إلى محلّ آخر ، فمن جملة الأحكام العقلية المترتّبة على بقاء الموضوع جواز استصحاب عرضه الحالّ فيه وحكمه القائم به ، ولا شكّ أيضا أنّ إثبات الموضوع بالاستصحاب لا يجعل الموضوع موجودا واقعيا فلا يترتّب عليه ما هو من لوازمه عقلا ، فجواز استصحاب الحكم لا يترتّب على استصحاب الموضوع كائنا ما كان.
لا يقال : ما ذكرت جار بعينه في استصحاب الموضوع ؛ لأنّ ما هو المحلّ للعرض إنّما هو الموضوع المعلوم بحسب الواقع ، والمفروض أنّه (٢) حال الشكّ وعدم العلم به لا يعلم وجوده فكيف يمكن الحكم بترتّب الأحكام العرضية على ما لا نعلم وجوده؟ وبالجملة فترتّب الأحكام وكون الموضوع محلاّ للعرض القائم به ليس من الأحكام الشرعية ، بل ذلك من لوازم الموضوع الواقعي عقلا ، فباستصحابه (٣) لا يمكن الحكم بترتّب (٤) آثاره عليه.
لأنّا نقول : فرق ظاهر بين المقامين ، فإنّ الأحكام الشرعية أمور جعلية متعلّقة بأفعال المكلّفين بحسب اختلافاتها ، فربّما يصير الفعل المتعلّق بموضوع خارجي واقعي موردا لواحد منها كحرمة شرب الخمر ووطي الأجنبية ، وقد يصير الفعل المتعلّق بمشكوك الموضوع أيضا موردا لذلك الحكم ، كما فيما إذا شككنا في حلّية الخمر لاحتمال انقلابه خلاّ ، وكما إذا احتملنا وقوع العقد المحلّل على الأجنبية من الوكيل مثلا ، فالموضوع الواقعي يتعلّق به حكم ويتعلّق بالمشكوك أيضا ذلك الحكم ، ولا ضير فيه ؛ لحلول العرض إذا في المشكوك ، غاية الأمر أنّ الحكم المتعلّق بالموضوع الواقعي
__________________
(١) « ج ، م » : فلأنّ.
(٢) « ز ، ك » : ـ أنّه.
(٣) « ز ، ك » : واستصحابه.
(٤) « م » : الحكم ترتيب.