الحمل.
قلت : لا ريب في أنّ الإسناد مغاير للحمل ؛ فإنّ الأوّل عبارة عن تعيين الفاعل المبهم المأخوذ من مدلول الفعل الذي نسب إليه صدور الفعل إمّا بالمخاطبة كما في الأمر ، وإمّا بذكر الفاعل ظاهرا أو مضمرا في الماضي والمضارع وهو الوجه في الجمل الخبرية ، ومناط الحمل هو بيان أنّ أحد الأمرين عين الآخر في الوجود الخارجي ، وهذا المعنى (١) ملازم لجعل كلّ واحد من المتّحدين في الوجود موضوعا ، والآخر محمولا في الجملة ، ولا شكّ في انتفاء ذلك في الفعل ، وإلاّ لصحّ جعله مبتدأ أيضا مع أنّه باطل إجماعا من القوم فضلا عن عدم مساعدة الوجدان على الحمل.
وممّا يشعر بمغايرة الإسناد والحمل هو وجود الإسناد في الجمل الإنشائية دون الحمل كما هو ظاهر.
وإن أبيت عن ذلك ، فنقول : إنّ الزمان الخاصّ مأخوذ في مفهوم الفعل وحينئذ ، فإن كان ذلك زمان الماضي ، فلا بدّ من انقضائه حتّى يصحّ إسناد الفعل إلى الفاعل في ذلك الزمان ، وإن كان زمان الحال ، فلا بدّ من صدور الفعل في ذلك الزمان حتّى يسند إليه الفعل ، وإن كان زمان المستقبل ، فلا بدّ من عدم صدوره حتّى يسند إليه الفعل في ذلك الزمان ، فلا يعقل فيه النزاع المذكور كما هو ظاهر ، ولا ينبغي قياس سائر المشتقّات بالفعل ؛ لما ستعرف من عدم اعتبار الزمان في مدلولها لا قيدا ولا جزءا ، وعلى تقدير التنزّل فالفرق بين اعتبار الزمان في الفعل وفيها في غاية الوضوح.
وثالثها : الظاهر جريان الخلاف في غير اسم الفاعل من المشتقّات كاسم المفعول والصفة المشبهة وصيغة المبالغة وأسماء المكان والزمان والآلة ؛ لعموم الأدلّة
__________________
(١) « ق » : ـ المعنى.