الاستعمالات العرفية سيّما بناء على ما ستعرفه من بساطة مداليل المشتقّات ؛ فإنّها عنوانات حينئذ للذوات التي يفرض اتّحادها معها في الخارج ، فيكون تلك الأسماء تعبيرات عن بعض مراتب وجود الذوات الخارجية ، فكما أنّ زيدا لا دلالة فيه على الزمان ، فكذا العالم ، وافتقار وجود هذا المفهوم الواقع في الزمان ليس إلاّ كافتقار وجود الحوادث الزمانية إلى الزمان ، وذلك لا يدلّ على أخذ الزمان في مدلوله.
وممّا يوضّح ذلك ملاحظة افتقار الجسم إلى الحيّز ، فإنّه لم يذهب وهم إلى أخذ المكان في مدلول الجسم كما هو ظاهر ، وليس افتقار العنوان المذكور إلى استلزام ذلك الزمان بأشدّ من افتقار نفس المعنى الحدثي إليه ، مع أنّه لا كلام في عدم دلالة المصدر على الزمان.
وممّا يرشد على ذلك اتّفاق علماء العربية ظاهرا كما حكاه جماعة أيضا على عدم أخذ الزمان في مداليل الأسماء التي منها المشتقّ المبحوث عنه هنا كما يدلّ عليه الحدود الواردة عنهم للأسماء كما هو ظاهر ، ومع ذلك كلّه فقد يتراءى من بعضهم (١) أنّ الزمان معتبر في مدلول المشتقّ بل ولم يرض بذلك حتّى ادّعى اتّفاق الاصوليين على ذلك ؛ حيث إنّهم حكموا بكونه حقيقة في الحال ، وإنّما اختلفوا في كونه حقيقة في الماضي إمّا على وجه الاشتراك اللفظي ، أو القدر المشترك بين الزمانين مثلا ، ثمّ حاول الجمع بين الإجماعين بحمل إجماع أهل العربية على عدم الدلالة مطابقة ، وحمل إجماع الاصوليين على الدلالة التزاما.
وقال بعض الأجلّة : « إنّ مفهوم الزمان خارج عن مدلول المشتقّ [ وضعا ] ، وقيد لحدثه باعتبار الصدق والإطلاق ، فالفاعل ـ مثلا ـ إنّما وضع ليطلق على الذات المتّصفة
__________________
(١) وهو السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ١٤ وعنه في بدائع الأفكار : ١٧٨.