وهو لا يتمّ إلاّ على تقدير إرادة حال النطق ، فإنّه لو اريد به حال التلبّس ، فيصير ذلك بمنزلة قولنا : « سيكون ضاربا » وعلى هذا لا ينبغي القول بكونه مجازا ، فكيف بالاتّفاق على ذلك كما هو واضح جدّا.
قلت : قد عرفت خروج الزمان عن مدلول المشتقّ أوّلا ، فلا وجه لإرادة حال التكلّم ، أو غيره من « الحال » فإنّه مناف لما ذكره المحقّقون من أنّ المراد به حال التلبّس ، وما عرفت ـ من المراد من حال التلبّس ، والاحتجاج بقول بعض النحاة ـ وارد على خلاف التحقيق.
وأمّا دعوى اتّفاق العضدي على مجازية قولنا : « ضارب غدا » فبعد أنّه مخالف لصريح الوجدان من انتفاء وجه المجاز في ذلك ، فإنّا لا نجد فرقا بين قولنا : « سيكون ضاربا » أو « ضارب غدا » إلاّ من حيث تعيين الزمان في الثاني دون الأوّل ، فكما أنّه لا ينبغي أن يذهب الوهم إلى مجازية الأوّل ، فكذا الثاني كما هو واضح ، فلا بدّ من توجيهه بما لا ينافي ما تقدّم ، كأن يقال : إنّ المراد بالمجازية في التركيب المذكور هو إرادة خصوص الزمان المستقبل من قولك : « ضارب » وذكر « الغد » قرينة على ذلك كما زعمه جماعة في مدلول المطلق والمقيّد حيث إنّهم لا يرون أنّ الإطلاق والتقييد من باب تعدّد الدوالّ والمداليل ، بل يقولون : إنّ المراد من قولك : « أعتق رقبة » هو خصوص المؤمنة وقولك : « مؤمنة » قرينة عليه ؛ لأنّ التركيب أفاد ذلك ، وهذا التوهّم بعيد في قولك : « سيكون ضاربا » فلا ينافي القول بالمجازية في « ضارب غدا » والقول بخلافه في « سيكون ضاربا ».
الرابع : الظاهر أنّ هذا النزاع من الأبحاث اللفظية المتعلّقة بتعيين مدلول المشتقّ لفظا كما يظهر من ملاحظة كلماتهم وأمثلتهم واستدلالات الطرفين بالتبادر وصحّة السلب ونحوها ، فلا تنافي بين الذهاب على أنّ المشتقّ ظاهر في الفعلية بالمعنى المتقدّم