الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (١٠)
لما كان الأمر تجارة تتصف بالربح والخسران ، مدح الله المؤمنين بالتجارة ، وهو البيع والشراء في أي شيء كان مما أمر الله بالتجارة فيه ، قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ) فسماها تجارة ، لأن التاجر يحمل إلى الناس ما يحتاجون إليه ، والأنبياء عليهمالسلام جاؤوا من عند الله إلى عباد الله بما فيه سعادتهم ، فأجروا على ذلك الأجر التام ، فللمؤمن تجارة في نفس إيمانه ، وهي التجارة المنجية من العذاب الأليم ، قال تعالى (تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) فقيل : وما هي؟ فذكر ما هي التجارة فقال :
(تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (١١)
مع حصول المشقة في ذلك من مفارقة الأهل في دخوله في الإيمان دونهم ، ومفارقة الأوطان بالهجرة إلى دار الإسلام ، وإنما عدل في هذه الأمور إلى التجارة دون غيرها ، فإن القرآن نزل على قرشي بلغة قريش بالحجاز ، وكانوا تجارا دون غيرهم من الأعراب ، فلما كان الغالب عليهم التجارة كسى الله ذات الشرع والإيمان لفظ التجارة ، ليكون أقرب إلى أفهامهم ومناسبة أحوالهم ، فالمؤمن ممدوح في القرآن بالتجارة والبيع فيما ملك بيعه ، وما صرح الله فيه بأنه يشتري خاصة ، فإن التجارة معاوضة وقبض ثمن ، والبيع بيع ما تملكه ، والشراء شراء ما ليس عندك ، فلا تسلك من الطرق إلا ما تقع لك فيه المنفعة والربح فإنها تجارة ، وهكذا سماها الله.
(يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ