السويّ عليه بعد ورود تفسيرهما ـ في رواية زرارة المتقدّمة (١) ـ بمن يقدر على أن يكفّ نفسه عنها ، ودلالة صحيحة معاوية وخبر هارون على إناطة نفي الجواز بكونه غنيّا ، لا بكونه ذي مرّة ، فالعبرة بذلك ، لا بصدق اللفظين ، كي يكون صدقهما عليه ـ بعد الاعتراف باندراجه في موضوع ما دلّ على جواز الأخذ لمن لا يقدر في الحال على أن يكفّ نفسه عنها ـ منشأ للإشكال.
فالأقوى : ما قوّاه في ذيل كلامه من جواز الدفع إلى كلّ محتاج في آن حاجته.
وانعقاد الإجماع على خلافه غير معلوم ، بل ولا مظنون ، بل قد يغلب على الظنّ عدم إرادة المشهور القائلين بعدم جواز الدفع إلى من يقدر على كسب كاف بمئونته إلّا المنع عنه في حال قدرته ، فهذا ممّا لا ينبغي الاستشكال فيه.
وإنّما الإشكال في من يقدر على كسب لائق بحاله واف بمئونته ، ولكنّه لم يتعوّد على الاكتساب ، ككثير من البطّالين وأهل السؤال وأشباههم ممّن لهم قدرة وقوّة على كثير من الصنائع والحرف اللائقة بحالهم ، ولكنّهم تعوّدوا على التعيّش بأخذ الصدقات والصبر على الفقر والفاقة ، وتحمّل ذلّ السؤال ، وتناول وجوه الخيرات والصدقات وترك الاكتساب ، فإنّه يصدق عليهم عرفا اسم الفقير ، ولكنّه هو في الواقع غنيّ ، أي قادر على أن يكفّ نفسه عنها.
وقد أشرنا آنفا إلى أنّ هذا المعنى هو المراد بالغنيّ في هذا الباب في مقابل المحتاج الذي هو معنى الفقير.
__________________
(١) تقدمت في ص ٤٩٨.