إذ مع أنّ الفقيه أيضا كالساعي في جواز أن يتأتّى مثل هذه المعاوضة منه : يتوجّه عليه أنّه ليس معاوضة حقيقيّة ، بل حكما شرعيّا لا يتوقّف إمضاؤه على رضا الفقير أو وليّه.
(و) من هنا يعرف أنّ (الخيار في ذلك) أي في دفع الأعلى أو الأدنى ، والجبر بشاتين أو عشرين درهما (إليه) أي إلى المالك (لا إلى العامل) كما نسبه في الحدائق إلى الأصحاب (١) ، إذ ليس للعامل أن يتعدى عن الحدود الشرعيّة ، ويوجب عليه ما لم يعيّنه الشارع عليه.
نعم لو دفع الأعلى وردّ إليه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ليس له الامتناع من القبول ومطالبة الفرد الآخر ، إذ لم يجعل الشارع التخيير في ذلك له ، بل للمصدق ، حيث قال : يدفع إليه المصدق هذا أو هذا.
نعم للمالك أن لا يقبل منه ذلك حينئذ ، ويتكلّف في تحصيل أصل الفريضة أو بدلها الأدنى ، ويدفعه إليه مع شاتين أو عشرين درهما.
ولا يلاحظ في جبر تفاوت الأسنان بدفع شاتين أو عشرين درهما مع البدل إلى العامل أو أخذهما منه ، القيمة السوقيّة ، بل هذا الحكم ثابت مطلقا (سواء كانت القيمة السوقيّة مساوية لذلك ، أو ناقصة عنه ، أو زائدة عليه) كما صرّح به غير واحد (٢). بل في الجواهر :لا أجد فيه خلافا ، لإطلاق الدليل.
نعم ، استشكل الفاضل ، والكركي ، وثاني الشهيدين ، وسبطه ، وبعض من تأخّر عنهم : فيما إذا نقصت قيمة ما يدفعه المالك عن الشاتين أو العشرين درهما الذي يأخذه من العامل ، أو مساوية له ، من إطلاق النصّ ، ومن أنّه كأنه لم يؤدّ شيئا ، بل استوجه سيد المدارك والمحقّق
__________________
(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٥٣ ـ ٥٤.
(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١١٩.