المصالح بما لا يكون فيه معونة لغنيّ مطلق بحيث لا يدخل في شيء من الأصناف الباقية ، فيشترط في الحاجّ والزائر الفقر أو كونه ابن سبيل أو ضيفا ، والفرق بينهما حينئذ وبين الفقير : أنّ الفقير لا يعطى الزكاة ليحجّ بها من جهة كونه فقيرا ، ويعطى لكونه في سبيل الله.
وهو مشكل ، لأنّ فيه تخصيصا لعموم الأدلّة من غير دليل.
والمعتمد : جواز صرف هذا السهم في كلّ قربة لا يتمكّن فاعلها من الإتيان بها بدونه ، وإنّما صرنا إلى هذا التقييد ، لأنّ الزكاة إنّما شرّعت بحسب الظاهر لدفع الحاجة ، فلا تدفع مع الاستغناء عنها ، ومع ذلك فاعتباره محلّ تردّد (١). انتهى ما في المدارك.
أقول : وممّا يؤيّد أيضا اعتبار الحاجة في من يصرف إليه هذا السهم : مضافا إلى الأدلّة الدالة على أنّ الزكاة في الأصل موضوعة لرفع حاجة المحتاجين ، وسدّ خلّتهم ، وأنّ الله تعالى شرّك بين الأغنياء والفقراء في أموالهم ، فليس لهم أن يصرفوها في غير شركائهم ، عموم قوله ـ صلىاللهعليهوآله ـ : «لا تحلّ الصدقة لغنيّ» (٢) وقد أشرنا مرارا إلى أنّ المراد بالغني في مثل هذه الرواية هو غير المحتاج ، لا ما يقابل الفقير الذي لا يملك قوت سنته.
وخصوص مرسلة علي بن إبراهيم المتقدمة (٣) الواردة في تفسير الآية ، فإنّها تدلّ على اعتبار الحاجة في من يخرج إلى الجهاد أو يريد الحجّ.
__________________
(١) مدارك الأحكام ٥ : ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، وراجع : تذكرة الفقهاء ٥ : ٢٨٢ ، المسألة ١٩٧ ، ومسالك الأفهام ١ : ٤٢٠.
(٢) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ ، ١٦٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٩ / ١٨٣٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٢ / ٦٥٢ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ ، المستدرك للحاكم ١ : ٤٠٧ ، مسند أحمد ٢ : ١٦٤ و ١٩٢ و ٣٨٩ و ٥ : ٣٧٥.
(٣) تقدّمت في ص ٥٧٤.