والذي يقوى في النظر بالنظر إلى مجموع ما ورد في هذا الباب من الآيات والروايات : أنّ الله تعالى قد جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، بمعنى أنه تعالى أوجب على الأغنياء أن يتصدّقوا عليهم من أموالهم التي وضع عليها الزكاة بالفريضة التي عيّنها لهم ، فصارت الفريضة المقرّرة في أموالهم بذلك حقّا لازما لهم على الأغنياء في أموالهم ، فهو ملك لهم شأنا لا بالفعل ، ولدي امتناع المالك عن أداء هذا الحقّ قد جعل الشارع الحاكم والساعي ، بل وسائر المؤمنين ، بل نفس الفقير عند فقد الحاكم والساعي وليّا على استيفائه ، فيؤدّيه عن المالك من باب الحسبة بقصد القربة ، وأداء الزكاة الواجبة في هذا المال كغيرها من الحقوق المتعلّقة بالأموال لدى امتناع مالكه عن الخروج عن عهدتها.
وحيث ثبت بالأدلّة الخارجيّة جواز إخراج الفريضة من مال آخر ، بل جواز دفع القيمة ، كشف ذلك عن أنّ الحقّ الذي جعله الشارع للفقير في هذا المال لم يلاحظ فيه خصوصيّة شخصه ولا نوعه ، بل كحقّ غرماء الميّت المتعلّق بتركته وإن كان بينهما فرق من حيث تعلّق حقّ الغرماء إذا لم يكن الدين مستوعبا بمجموع التركة ، بحيث لو تلف منها شيء ممّا زاد عن الحقّ ، لم يرد به نقص على الغريم ، وهذا حقّ متعلّق بجميعه ، حيث إنّ الشارع جعل الفقير مستحقّا لأن يستوفى له من جميع هذا المال البالغ حدّ النصاب ، الفريضة التي قرّرها له عينا أو قيمة ، كما جعل الزوجة غير ذات الولد مستحقّة لأن تستوفي من البناء ثمن قيمتها ، وليس حقّ الزوجة المتعلّق بقيمة البناء دينا ثابتا في ذمة الورثة ، بل حقّا متعلّقا بتركته ، فهذا قسم من الحقّ مبسوط على جميع المال ، فلا ينافيه التوزيع ، ولا جواز إخراج الزكاة من غير العين ، ولا دفع القيمة.