بالرياضات والمجاهدات ، وتحصيل العلوم الدينيّة ، والعمل بالآداب الشرعيّة ، فقد زهد في دنياه وفاز في آخرته فوزا عظيما ، فهذا ممّا لا مجال للارتياب في رجحانه ، فضلا عن جوازه.
ولكن لا ملازمة بينه وبين جواز أخذ الزكاة له ، إذ بعد فرض دلالة الدليل على عدم حليّة الصدقة لمن يقدر على اكتساب بمئونته على الإطلاق ، نلتزم بحرمتها عليه وإن استحبّ له الاشتغال بطلب العلم وسائر الأعمال المستحبة المستلزمة لترك التكسّب.
وحيث لا يجب عليه فعل المستحبّات لا عقلا ولا شرعا لا ينفي ذلك قدرته على الاكتساب ، كي يحلّ له أخذ الصدقة ، فيصير حاله في تعيّشه في الدنيا كحال كثير من الفقراء المشغولين بطلب العلم ، الذين لا يعطيهم أحد من الزكاة وسائر وجوه الصدقات شيئا ، ولا يموت أحد منهم من الجوع.
ولكن لمانع أن يمنع إطلاق مانعيّة القدرة على التكسّب عن أخذ الزكاة على وجه يتناول مثل المقام ، فإنّ عمدة ما يصحّ الاستدلال به لذلك : قوله ـ عليهالسلام ـ في رواية زرارة المتقدمة (١) ، الواردة في تفسير الخبر النافي لحلّ الصدقة على المحترف والقويّ وذي مرّة سوي : «لا يحل له أن يأخذها وهو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها».
وهذا وإن كان بظاهره موهما لذلك ، ولكنّ الظاهر عدم إرادة مطلق القدرة منه ، بل كونه بالفعل لدى العرف متمكّنا من القيام بنفقته ونفقة من يعوله ، بحيث يراه العرف بحكم صاحب المال في كفايته بمئونته ، كما يفصح عن ذلك : صحيحة معاوية ورواية هارون بن حمزة المتقدمتان (٢)
__________________
(١) تقدمت في ص ٤٩٨.
(٢) تقدّمتا في ص ٤٩١ و ٤٩٢.