إلا بالموت ، وعلمنا معنى الموت ، فاستعجلناه في الحياة الدنيا ، فمتنا في عين حياتنا عن جميع تصرفاتنا وحركاتنا وإرادتنا ، فلمّا ظهر الموت علينا في حياتنا ـ التي لا زوال لها عنا حيث كنا ، التي بها تسبّح ذواتنا وجوارحنا وجميع أجزائنا ـ لقينا الله فلقينا ، فكان لنا حكم من يلقاه محبا للقائه ، فإذا جاء الموت المعلوم في العامة وانكشف عنا غطاء هذا الجسم ، لم يتغير علينا حال ولا زدنا يقينا على ما كنا عليه ، فما ذقنا إلا الموتة الأولى ، وهي التي متناها في حياتنا الدنيا ، فوقانا ربنا عذاب الجحيم.
(فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٥٧)
قال عليّ رضي الله عنه : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ؛ فمن رجع إلى الله هذا الرجوع سعد ، وما أحسّ بالرجوع المحتوم الاضطراري ، فإنه ما جاءه إلا وهو هناك عند الله ، فغاية ما يكون الموت المعلوم في حقه ، أن نفسه التي هي عند الله يحال بينها وبين تدبير هذا الجسم الذي كانت تدبره ، فتبقى مع الحق على حالها ، وينقلب هذا الجسد إلى أصله وهو التراب الذي منه نشأت ذاته ، فكأن دارا رحل عنها ساكنها ، فأنزله الملك في مقعد صدق عنده إلى يوم يبعثون ، ويكون حاله في بعثه كذلك لا يتغير عليه حال ، من كونه مع الحق لا من حيث ما يعطيه الحق مع الأنفاس ، وهكذا في الحشر العام وفي الجنان التي هي مقره ومسكنه.
(فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ) (٥٩)
(٤٥) سورة الجاثية مكيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
(حم (١) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ