نوعا واحدا فإنه يختلف باختلاف أمزجة الشاربين ، وهو استعدادهم ، فمن الناس من يكون مشروبه عسلا بحسب الصورة التي يتجلى فيها العلم ، فإن هذه الأصناف صور علوم مختلفة ، ودليلنا على ما قلناه إنها علوم ، رؤيا النبي صلىاللهعليهوسلم فإنه قال : [أريت كأني أوتيت بقدح لبن فشربت منه ، حتى رأيت الري يخرج من أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر ، قالوا : فما أولته يا رسول الله؟ قال : العلم] فهذا علم تجلى في صورة لبن ، كذلك تتجلى العلوم في صور المشروبات ، ولما كانت الجنة دار الرؤية والتجلي ، وما ذكر الله فيها سوى أربعة أنهار : أنهار من ماء غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ، علمنا قطعا أن التجلي العلمي لا يقع إلا في أربع صور : ماء ولبن وخمر وعسل ، ولكل تجل صنف مخصوص من الناس ، وأحوال مخصوصة في الشخص الواحد ، فنهر الماء الذي غير آسن أي غير متغير يعطي علم الحياة قال تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) وكذلك هذا العلم الذي يعطيه هذا الماء تحيا به القلوب ، ونهر الخمر هو علم الأحوال ، وهو صورة للعلم الإلهي الذوقي الذي تمجه العقول من جهة أفكارها ، ولا يقبله إلا الإيمان ، فأنهار الخمر تعطي معارف عنها السرور والابتهاج والفرح وإزالة الغموم ، والتجريد من الكم والكيف والهياكل الظلمانية ، والتنزه عن ملاحظة الأكوان الجسمية والجسمانية ، فهو سرور بالعلم بالكمال ، ونهر العسل هو علم الوحي على ضروبه ، ونهر اللبن هو علم الأسرار والفطرة واللب الذي تنتجه الرياضات والمجاهدات والتقوى ، فيحصل للإنسان من العلوم في كل جنة من جنات الاختصاص والإرث والعمل بحسب حقيقة تلك الجنة ، وبحسب مأخذ النشآت منه ، فإنها تختلف مآخذها وتختلف العلوم وتختلف الجنات ، فتختلف الأذواق.
(وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ) (١٦)
الطبع النقش الذي يكون في الختم ، والختم هو القفل.
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) (١٧)