للمتكلمين في ذات الله والخائضين فيه ، من الأشاعرة والمعتزلة ، وكذلك الفلاسفة في مقالاتهم في الله وفيما ينبغي أن يعتقد ، ولا يزالون مختلفين ، حتى يختلفوا في أصول المذهب الذي يجمعهم ، ولا نرى الرسل والأنبياء قديما وحديثا ـ من آدم إلى محمد وما بينهما عليهم الصلاة والسلام ـ قط اختلفوا في أصول معتقدهم في جناب الله ، بل كل واحد منهم يصدق بعضهم بعضا ، ولا سمعنا عن أحد منهم أنه طرأ عليه في معتقده وعلمه بربه شبهة قط ، فانفصل عنها بدليل ، ولو كان لنقل ودوّن ونطقت به الكتب ، كما نقل سائر ما تكلم فيه من ذلك ممن تكلم فيه ، ولا سيما والأنبياء تحكمت في العامة في أنفسها وأموالها وأهليها ، وحجّرت وأباحت ، ولم يكن لغيرها هذه القوة من التحكم ، فكانت الدواعي تتوفر على نقل ما اختلفوا فيه في جانب الحق ، لأنهم ينتمون إليه ويقولون : إنه أرسلهم ، وأتوا بالدلائل على ذلك من المعجزات ، ولا نقل عن أحد منهم أنه طرأت عليه شبهة في علمه بربه ، ولا اختلف واحد منهم على الآخر في ذلك ، والناظر بفكره في معتقده لا يبقى على حالة واحدة دائما ، بل هو في كل وقت بحسب ما يعطيه دليله في زعمه في وقته ، فيخرج من أمر إلى نقيضه ، وما دخل على المتكلمين والنظار ما دخل إلا من الفضول ، ولهذا وقع الخلاف ولعبت بهم الأفكار والأهواء ، فلو وقفوا حتى يكون الحق هو الذي يعرفهم على لسان رسوله بما ينبغي أن يضاف إليه ويسمى به أفلحوا ، وإنما الإنسان خلق عجولا ، ورأى في نفسه قوة فكرية ، فتصرف بها في غير محلها ، فتكلم في الله بحسب ما أعطاه نظره ، والأمزجة مختلفة ، والقوة المفكرة متولدة من المزاج ، فيختلف نظرها باختلاف مزاجها ، فيختلف إدراكها وحكمها فيما أدركته ، فالله يحول بيننا وبين سلطان أفكارنا فيما لم نؤمر بالتفكر فيه ، فمعرفة الله بطريق الخبر أعلى من المعرفة بالله من طريق النظر ، فإن طريق الخبر في معرفة الله إنما جاء بما ليست عليه ذاته تعالى من علم الناظر ، فالمعرفة بالأدلة العقلية سلبية ، وبالأدلة الخبرية ثبوتية وسلبية في ثبوت ، ولا يبلغ العقل في تنزيه الحق مبلغ الشرع فيه ، فأمرنا الله أن نعلم أنه لا إله إلا هو بقوله : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) فأمرنا أن نعلم أن الله واحد في ألوهيته ، فهو واحد في المرتبة ، وما تعرض للذات جملة واحدة ، فإن أحدية الذات تعقل ، فالمعرفة به من كونه إلها ، والمعرفة بما ينبغي للإله أن يكون عليه من الصفات ، التي يمتاز بها عمن ليس بإله وعن المألوه ، هي المأمور بها شرعا (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) وهو هنا ما يخطر