من الله لا يكون ، ومع ذلك أنزل نفسه في هذا الإخبار منزلة من يستفيد بذلك علما ، وهو سبحانه العالم بما يكون منهم في ذلك قبل كونه ، فمن المنزهة في زعمهم من يقول : إن الله لا يستفيد من ذلك علما ، فإنه لا يعلم الأمر من حيث ما هو واقع من فلان على التعيين ؛ فرد كلام الله وتأوله ، إذ خاف من وقوع الأذى به لذلك ، ومن الظاهرية من التزم أنه يعلم بذلك الاختبار وقوفا عند هذا اللفظ ، ومن الناس من صرف ذلك إلى تعلق العلم به عند الوقوع ، فالعلم قديم والتعلق حادث ، ومن المؤمنين من سلّم علم ذلك إلى الله وآمن به من غير تأويل معين ، وهذا هو أسلم ما يعتقد ، وهذا كله ابتلاء من الله لعباده الذين ادعوا الإيمان به بألسنتهم (الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) المجاهدة مشقة وتعب ، وبها سمي الجهاد جهادا ، والمجاهدة حمل النفس على المشاق البدنية ، المؤثرة في المزاج وهنا وضعفا ، وأعظم المشاق إتلاف المهج في سبيل الله ، وهو الجهاد في سبيل الله ، فابتلاهم أولا بما كلفهم ، واستخدمهم بما ابتلاهم حتى يعلم المجاهدين من عباده والصابرين ، ويبلو أخبارهم بقوله : (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) فإذا عملوا ابتلى أعمالهم ، هل عملوها لخطاب الحق أو عملوها لغير ذلك؟ فجعل الحق الابتلاء سبب حصول هذا العلم ، وما هو سبب حصول العلم ، وإنما هو سبب إقامة الحجة ، حتى لا تكون للمحجوج حجة يدفع بها. واعلم أن البلاء في الدنيا نعمة معجلة من الله تعالى على عباده المؤمنين ، والبلاء على قدر المراتب عند الله تعالى ، وجاء في الأثر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : [ما ابتلى الله أحدا من الأنبياء بمثل ما ابتليت به].
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (٣٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (٣٣)
تفيد هذه الآية أن الشروع في العبادة ملزم ، فإنه عهد عهده مع الله بلا شك ، فبالأولية كان مختارا ، وفي التلبس مضطرا ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله.