من التخليد في النار.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (١٧)
لما منّ من منّ على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالإسلام ، قال تعالى تأنيسا له : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) ثم أمره أن يقول لهم فقال ، (قُلْ) يا محمد (لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) وآثر الحق تعالى محمدا صلىاللهعليهوسلم على نفسه حتى لا يجعل له نعتا فيما أجري عليه لسان ذم ، فقال له : قل لهم : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ) معناه أنه لو منّ لكان المنّ لله (أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) ولو شاء لقال : بل أنا أمنّ عليكم أن هداكم الله بي للإيمان الذي رزقكم بتوحيده وأسعدكم به ، فما جعله تعالى محلا للمنّ كما منّوا بإسلامهم ، فوبخوا ونبهوا بقوله : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) والمنّ هنا من علم التطابق لم يقصد به المنّ ، لأنهم لما امتنوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بإسلامهم ، قال الله له : (قُلْ) يا محمد (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) أي إذا دخلتم في حضرة المنّ فالمنّ لله لا لكم ، فما كان الله ليقول في المنّ ما قال ، ويكون منه ، وما كان الله ليدلنا على مكارم الأخلاق من العفو والصفح ويفعل معنا خلافه ، فلله المنّة التي هي النعمة ، والامتنان الذي هو إعطاء المنّة ، لا المنّ سبحانه وتعالى ، فلما كانت المنة الواقعة منهم إنما هي على الله لا على رسوله صلىاللهعليهوسلم ، فإنهم ما انقادوا إلا إلى الله ، لأن الرسول ما دعاهم إلى نفسه ، وإنما دعاهم إلى الله ، فكان قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعواكم أنكم مؤمنون ، يعني في إيمانكم بما جئت به ، فإنه مما جئت به أن الهداية بيد الله ، يهدي بها من يشاء من عباده لا بيد المخلوق ، فعراهم من هذه الصفة أن تكون لهم كسبا ، فالله تعالى يمنّ على عباده بما يمتنّ عليهم من المنن الجسام ، فجميع نعمه الظاهرة والباطنة مننه ،