تتجدد ، على عين لا تتعدّد ، بأحكام لا تنفد ، فهذا الخلق الجديد الذي أكثر الناس منه في لبس وشك ما هو إلا الاستحالة ، فإن العالم كله محصور في ثلاثة أسرار : جوهره وصوره والاستحالة ، وما ثم أمر رابع ، فلا يزال العالم يستحيل دائما من الدنيا إلى الآخرة ، والآخرة بعضها إلى بعض ، كما استحال منها ما استحال إلى الدنيا ، كما ورد في الخبر في النيل والفرات وسيحان وجيحان أنها من أنهار الجنة ، استحالت فظهرت في الدنيا ، بخلاف الصورة التي كانت عليها في الآخرة ، فالاستحالة دائما وأبدا في الدنيا ، ثم نستحيل إلى البرزخ ، وإذا استحلنا من البرزخ إلى الصور التي يكون فيها النشر والبعث سميت تلك الآخرة ، ولا يزال الأمر في الآخرة في خلق جديد منها فيها ، أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، إلى ما لا يتناهى ، فلا نشاهد في الآخرة إلا خلقا جديدا في عين واحدة ، فالعالم متناه لا متناه ، ومن ذلك تعلم أن العالم لا يخلو في كل نفس من الاستحالة ، ولو لا أن عين الجوهر من الذي يقبل هذه الاستحالة في نفسه واحد ثابت لا يستحيل من جوهره ، ما علم حين يستحيل إلى أمر ما ما كان عليه من الحال قبل تلك الاستحالة ، غير أن الاستحالات قد يخفى بعضها ويدق ، وبعضها يكون ظاهرا تحس به النفس ، أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يقول (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) أي ارفع عنّي اللبس الذي يحول بيني وبين العلم بالخلق الجديد ، فيفوتني خير كثير حصل في الوجود لا أعلمه ، والحجاب ليس إلا التشابه والتماثل ، ولو لا ذلك لما التبس على أحد الخلق الجديد الذي لله في العالم في كل نفس بكل شأن ، فقال تعالى : (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي إنهم لا يعرفون أنهم في كل لحظة في خلق جديد ، فما يرونه في اللحظة الأولى ما هو عين ما يرونه في اللحظة الثانية ، وهم في لبس من ذلك ، وبذلك يكون الافتقار للخلق دائما وأبدا ، ويكون الحق خالقا حافظا على هذا الوجود وجوده دائما ، بما يوجده فيه من خلق جديد لبقائه.
فانظر فديتك فيما قد أتيت به |
|
فالعلم يدرك ما لا يدرك البصر |
فرجال العلم أولى بالعبر |
|
ورجال العين أولى بالنظر |
فالذي يوصف بالعقل له |
|
قوة تخرجه عن البصر |
والذي يوصف بالكشف له |
|
صورة تسمو على كل الصور |
فتراه دائما في حاله |
|
ظاهرا من غير إلى غير |