يلفظ به الإنسان ، فإذا لفظه رمى به ، فبعد الرمي يتلقاه الملك فيكتبه ، فالملك يرقب حركة العبد ويكتب منه حركة لسانه إذا تلفظ ، فيحصي عليه ألفاظه التي رمى بها ، لا يترك منها شيئا حتى يوقفه الله عليها ، إما في الدنيا إن كان من أهل العناية ، وإما في الآخرة في الموقف العام الذي لابد منه ، فالله يقيد كل قائل بما سمع منه ، فلا يتخيل قائل أن الله أهمله وإن أمهله ، فالملائكة يحصون الأقوال ، وإن كانوا يعلمون ما تفعلون ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ ، كِراماً كاتِبِينَ ، يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) ما قال يكتبون ، فعليك أن تراعي أقوالك كما تراعي أفعالك ، فإن أقوالك من جملة أعمالك ، روينا أن الملك لا يكتب على العبد ما يعمله حتى يتكلم به ، فإذا تكلمت فتكلم بميزان ما شرع الله لك أن تتكلم به ، كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمزح ولا يقول إلا حقا ، فعليك بقول الحق الذي يرضي الله ، فما كل حق يقال يرضي الله ، فإن النميمة حق ، والغيبة حق ، وهي لا ترضي الله ، وراع ما نهاك الله أن تقوله في كتابه ، فلا تقل ما نهاك الله عنه أن تقوله وتتلفظ به ، فإنه كما نهاك عن أمور نهاك عن القول وإن كان حقا ، ورد في الخبر الصحيح : [إن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيهوي بها في النار سبعين خريفا ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيرفع بها في عليين] فلا تنطق إلا بما يرضي الله ، لا بما يسخط الله عليك ، وذلك لا يتمكن لك إلا بمعرفة ما حده لك في نطقك ، وهذا باب أغفله الناس ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم] وقال الحكيم : لا شيء أحق بسجن من لسان ، وقد جعله الله خلف بابين ، الشفتين والأسنان ، ومع هذا يكثر الفضول ويفتح الأبواب ، ثم إنه من كرم الله ـ وقد ورد به خبر ـ أن العبد إذا عمل السيئة قال الملك لصاحبه الذي أمره الحق أن يستأذنه في كتابة السيئة : أأكتب؟ فيقول له : لا تكتب وأنظره إلى ست ساعات من وقت عمله السيئة ، فإن تاب أو استغفر فلا تكتبها ، وإن مرت عليه ست ساعات ولم يستغفر فاكتبها سيئة واحدة ، ولا تكتبها إلا إذا تلفظ بها ، بأن يقول : فعلت كذا ، أو تكون السيئة في القول ، فتكتب بعد مضي هذا القدر من الزمان ، وأي مؤمن يمضي عليه ست ساعات لا يستغفر الله فيها؟.