عن الفائدة ، فما كان الغطاء إلا ووراءه أمر وجودي لا عدمي ـ الوجه الثاني ـ ذلك قبل خروجه من الدنيا ، فما قبض أحد من مؤمن ولا مشرك إلا على كشف حين يقبض ، فيميل إلى الحق عند ذلك ، والحق التوحيد والإيمان ، فمن حصل له هذا اليقين قبل الاحتضار فمقطوع بسعادته واتصالها ، ولا يكون الاحتضار إلا بعد أن يشهد الأمر الذي ينتقل إليه الخلق ، وما لم يشاهد ذلك فما حضره الموت ولا يكون ذلك احتضارا ، فمن آمن قبل ذلك الاحتضار بنفس واحد أو تاب نفعه ذلك الإيمان والمتاب عند الله في الدار الآخرة ، وحاله عند قبض روحه حال من لا ذنب له ، وسواء رده لذلك شدة ألم ومرض أوجب له قطع ما يرجوه من الحياة الدنيا أو غيره ، فهو مؤمن تائب ينفعه ذلك ، فإنه غير محتضر ، فما آمن ولا تاب إلا لخميرة كانت في باطنه وقلبه لا يشعر بها ، فما مال إلى ما مال إليه إلا عن أمر كان عليه في نفسه ، لم يظهر له حكم على ظاهره ، ولا له في نفسه إلا في ذلك الزمن الفرد الذي جاء في الزمان الذي يليه الاحتضار ، ومن حصل له هذا اليقين والإيمان عند الاحتضار فهو في المشيئة ، وإن كان المآل إلى السعادة ، ولكن بعد ارتكاب شدائد في حق من أخذ لذنوبه ـ الوجه الثالث ـ يعني عند الموت ، أي يعاين ما هو أمره عليه ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [يموت المرء على ما عاش عليه ، ويحشر على ما عليه مات] وما يعاينه إنما يعاينه شهودا بالبصر ، لما تجسدت المعاني وظهرت بالأشكال والمقادير ، فيعاين المحتضر ما لا يعاينه الحاضر ، ويرى ما لا يرى من عنده ، من أهله الذين حجبهم الله تعالى عن رؤية ذلك إلى أن يأتيهم أجلهم ، فالمحتضر يرى ما لا يراه جلساؤه ، ويخبر جلساءه بما يراه ويدركه ، ويخبر عن صدق ، والحاضرون لا يرون شيئا ، كما لا يرون الملائكة ولا الروحانيين الذين هم معه في مجلس واحد ، ولذلك شرع تلقين المحتضر ، فإن الهول شديد والمقام عظيم ، وهو وقت الفتنة التي هي فتنة المحيا التي استعاذ منها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمر بالاستعاذة منها ، فإنه يتمثل للمحتضر من سلف من معارفه على الصور التي يعرفهم فيها ، وهم الشياطين ، تتمثل إليه على صورهم بأحسن زي وأحسن صورة ، ويعرفونه أنهم ما وصلوا إلى ما هم فيه من الحسن إلا بكونهم ماتوا مشركين بالله ، فينبغي للحاضرين عنده في ذلك الوقت من المؤمنين أن يلقنوه شهادة التوحيد ، ويعرفوه بصورة هذه الفتنة ليتنبه بذلك ، فيموت مسلما موحدا مؤمنا ، فإنه عندما يتلفظ بشهادة التوحيد ويتحرك بها