العالم العلم بأن الأمر كذا هو ، فلا يوجد إلا بحسب ما هو عليه في الثبوت الذي هو ترتيب الحكيم عن حكم الحكمة ، فما يبدل القول لديه ، فإنه ما يقول إلا ما رتبته الحكمة ، كما أنه ما علم إلا ما رتبته الحكمة ـ الوجه الثالث ـ القول الإلهي منه ما يقبل التبديل ومنه ما لا يقبل التبديل ، وهو إذا حق القول منه ، فالقول الواجب لا يبدل ، والقول المعروض يقبل التبديل ، فقد تقدم القول من الحق لمحمد صلىاللهعليهوسلم بالتكثير في الصلاة وبدله بالتخفيف والتقليل ، وقال له في آخر رجعة (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) ـ الوجه الرابع ـ (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) وهو الأمر الذي لا يعصيه مخلوق ، وهو قوله (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ) هذا الأمر الذي لا يمكن للممكن المأمور به مخالفته.
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) (٣٠)
يقول الله تعالى لجهنم (هَلِ امْتَلَأْتِ) فتقول : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ، فإذا وضع الجبار فيها قدمه قالت : قطني قطني ، وفي رواية قط قط ، أي قد امتلأت ، فقد ملأها بقدمه على ما شاء سبحانه من علم ذلك ، فيخلق الله فيها خلقا يعمرونها ، ورد في الخبر الصحيح : [إن الله لما خلق الجنة والنار قال لكل واحدة منها : لها علي ملؤها] أي أملؤها سكانا ، إذ كان عمارة الدار بساكنها ، والنار موجودة من العظمة ، والجنة موجودة من الكرم ، فلهذا اختص اسم الجبار بالقدم للنار وأضافه إليه ، لأن هذا الاسم للعظمة ، وقدم الجبار ليست إلا غضب الله ، فإذا وضعه فيها امتلأت ، فإن المخلوق الذي من حقيقته أن يفني لا يملؤه مخلوق ، فإنه كل ما حصل منه فيه أفناه ، فلا يملأ مخلوقا إلا الحق ، وغضب الله حق ، فأنعم به على جهنم فوضعه فيها فامتلأت بحق.
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (٣٥)