هي عليه في أنفسها ، فإنه ما علم تعالى إلا ما أعطته المعلومات ، فالعلم يتبع المعلوم ، ولا يظهر في الوجود إلا ما هو المعلوم عليه ، فلله الحجة البالغة ، لذلك قال : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي ما قدرت عليهم الكفر الذي يشقيهم ، ثم طلبتهم بما ليس في وسعهم أن يأتوا به ، بل ما عاملناهم إلا بحسب ما علمناهم ، وما علمناهم إلا بما أعطونا من نفوسهم مما هم عليه ، فإن كان ظلم فهم الظالمون ، ومن لم يعرف الأمر هكذا فما عنده خبر بما هو الأمر عليه ، فالإنسان جاهل بما يكون منه قبل كونه ، فإذا وقع منه ما وقع فما وقع إلا بعلم الله فيه ، وما علم إلا ما كان المعلوم عليه ، فصح قوله (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) والرضا إرادة فلا تناقض بين الأمر والإرادة ، وإنما النقض بين الأمر وما أعطاه العلم التابع للمعلوم ، فهو فعال لما يريد ، وما يريد إلا ما هو عليه العلم ، وهذا هو عين سر القدر لمن فهمه ، وكم منع الناس من كشفه لما يطرأ على النفوس الضعيفة الإيمان من ذلك ، فليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه إلا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، وسبق الكتاب هو إضافة الكتاب إلى ما يظهر به ذلك الشيء في الوجود ، على ما شهده الحق في حال عدمه ، فالكتاب سبق وجود ذلك الشيء ، والحكم للقول ، وذلك ليس إلا لله ، ومن هنا تعلم ما هو النسخ ، فإن مفهوم النسخ في القائلين به رفع الحكم بحكم آخر كان ما كان من أحكام الشرع ، فإن السكوت من الشارع في أمر ما حكم على ذلك المسكوت عنه ، فما ثمّ إلا حكم فهو تبديل ، وقد قال تعالى : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) فما ثمّ نسخ على هذا القول ، ولو كان ثمّ نسخ لكان من الحكمة وصورته أن الزمان إذا اختلف اختلف الحكم بلا شك ، فالنسخ ثابت أبدا لأن الاختلاف واقع أبدا ، فالحكمة تثبت النسخ والحكمة ترفع النسخ ، والفرق بين الحكمة والعلم أن الحكمة لها الجعل ، والعلم ليس كذلك ، لأن العلم يتبع المعلوم ، والحكمة تحكم في الأمر أن يكون هكذا ، فيثبت الترتيب في أعيان الممكنات في حال ثبوتها بحكمة الحكيم ، لأنه ما من ممكن إلا ويمكن إضافته إلى ممكن آخر لنفسه ، لكن الحكمة اقتضت بحكمها أن ترتبه كما هو ، بزمانه وحاله في حال ثبوته ، وهذا هو العلم الذي انفرد به الحق تعالى وجهل منه ، وظهر به الحكم في ترتيب أعيان الممكنات في حال ثبوتها قبل وجودها ، فتعلق بها العلم الإلهي بحسب ما رتبها الحكيم عليه ، فالحكمة أفادت الممكن ما هو عليه من الترتيب الذي يجوز خلافه ، والترتيب أعطى