الله تعالى فقال : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) وينسب ذلك الأمر إلى نفسه ، لأنه لما جاءه ما تخيل أن يفضل عنه وتخيل أنه يقبله كله ، فلما لم يسعه بذاته رده إلى ربه ، ومنهم من لم يعرف ذلك فرجع الفائض إلى الله من غير علم من هذا الذي حصل منه ما حصل ، فهو إلى الله على كل وجه ، وما بقي الفضل إلا فيمن يعلم ذلك ، فيفوض أمره إلى الله فيكون له بذلك عند الله يد ، ومنهم من لا يعلم ذلك فليس له عند الله بذلك منزلة ولا حق يتوجه ، قال تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) واعلم أن العبد القابل أمر الله لا يقبله إلا باسم خاص إلهي ، وأن ذلك الاسم لا يتعدى حقيقته ، فهذا العبد ما قبل الأمر إلا بالله ، من حيث ذلك الاسم ، فما عجز العبد ولا ضاق عن حمله ، فإنه محل لظهور أثر كل اسم إلهي ، فعن الاسم الإلهي فاض لا عن العبد ، فلما فوضه بقوله : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) ما عيّن اسما بعينه : وإنما فوضه إلى الاسم الجامع ، فيتلقاه منه ما يناسب ذلك الأمر من الأسماء في خلق آخر. وغاية العارفين أنهم يعلمون بالجملة أن الظاهر في الوجود والواقع إنما هو في قبضة الحكمة الإلهية ، فيزول عن العارف التسخط والضجر ، ويقوم به التسليم والتفويض إلى الله في جميع الأمور ، كما جاء (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) هذا هو حكم الحكمة لمن عقل عن الله ، فلا تجعل زمامك إلا بيد ربك ، فإن له كما قال يدين ، فكما أنه أخبرك أن يده بناصيتك اضطرارا ، فاجعل زمامك بيده اختيارا ، فتجني ثمرة الاختيار والاضطرار بجمعك بين اليدين ؛ ولا شك ولا خفاء أن من ألقى زمامه بيدك ، وفوض أمره إليك ـ وإن لم يتكلم ـ فقد خاطبك بأفصح الألسنة أن تسلك به طريق الصلاح والأصلح ، لما جلبت عليه النفوس من جلب المنافع ودفع المضار.
(فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (٤٦)
اعلم أن الله سبحانه إذا قبض الأرواح من هذه الأجسام الطبيعية ـ حيث كانت ـ والعنصرية ، أودعها صورا جسدية في مجموع الصور الذي هو قرن من نور ، وفي تلك