فقال تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) ولما كان الرب هو السيد والمالك والمربي والمصلح والثابت ، أثبت الحق افتقار العالم إليه في هذا القسم بهذا الاسم ، فالكل صنعه وخلقه وفعله ، فالسموات والأرض إشارة إلى العالم العلوي والسفلي ، ولما أقسم الله بهذا القسم ضجّت الملائكة في السماء ، حيث أقسم لهم الله بنفسه لكونهم لم يثقوا بالضمان دون اليمين ، ولكن لما كان الله عليما بنا ، لهذا أقسم لنا ، فإن نشأتنا تعطي ذلك ، فلابد من إيقاع هذا القسم لنا ، لما تقتضيه مرتبتنا من التهمة وعدم الثقة التي هي أوصاف أسافل نشئنا ، وبضدها أوصاف علية ، فمن يعرفنا يعرف لمن أقسم منا ، فيستريح ولا ينكر ، فإنه ما خرج عن حقيقته ، فأقسم الله لمن غلب حال ظلمته وأسفله ، والدليل على ما قلناه أنه مع هذا القسم لم تصح الطمأنينة ، بل بقي من أجل هذا القسم صاحب عقد على ذلك ، لا صاحب حال ، فإن حاله يشهد عليه بذلك ، ولهذا نضطرب عند فقد الأسباب ، فصرف حقيقته بهذا الحال ، ولم يؤثر القسم في حاله ، واضطرابه في الرزق يشهد عليه بالتهمة مطلقا ، ولهذا وقع القسم ، ووقع بالسماء والأرض الذي هو وجود العالم بأسره ، من طريق ذاته لا من طريق حاله ووصفه ، وسيأتي قسمه بحاله ووصفه في قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) حتى يكمل شرف العالم كله من كونه مضافا إليه عموما ، وشرف محمد صلىاللهعليهوسلم خصوصا في قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ) فقد جمع له بين الخصوص والعموم بخلاف غيره من جنسه ، وبهذا القسم نفّس الله عن المؤمنين غير الموقنين ، بقسمه على الرزق وما وعد به من الخير المطلق والمقيد بالشروط لمن وقعت منه ووجدت فيه (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) فنفّس الله عنهم بذلك وحصل لهم اليقين ، وما بقي لهم بعد إلا الاضطراب الطبيعي ، فإن الآلام الطبيعية المحسوسة ما في وسع الإنسان رفعها إذا حصلت ، بخلاف الآلام النفسية فإنه في وسعه رفعها ، فوقع التنفيس بالقسم أن الرزق من الله لابد منه ، وبقي في قلب بعض الموقنين بذلك من الحرج تعيين وقت حصوله ، ما وقع به التعريف ، ولو وقع لم يرفع الاضطراب الطبيعي ، فلما علم الحق أنه لا ينفس في تعيين الأوقات ، لذلك لم يوقع بها التعريف ، وقال بعضهم موبخا لمن اضطرب إيمانه بالرزق مع صدق وعده تبارك وتعالى وقسمه : ـ
وترضى بصراف وإن كان مشركا |
|
ضمينا ولا ترضى بربك ضامنا |