من حديث محمد بن إسحق : أن عمرو بن لحي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديد ، وهي التي كانت الأزود وغسان يحجونها ويعظمونها ، فإذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات وفرغوا من منى ، لم يحلوا إلا عند مناة ، وكانوا يهلون لها ، ومن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة ، لمكان الصنمين اللذين عليهما ـ نهيك مجاود الربح ـ ومطعم الطير ـ وكان هذا الحي من الأنصار يهلون لمناة ، وكانوا إذا هلوا بحج أو عمرة لم يظلّ أحدهم سقف بيت حتى يفرغ من حجه أو عمرته ، وكان الرجل إذا أحرم لم يدخل بيته ، وإن كان له فيه حاجة تسوّر من ظهر بيته ، لا يحز رتاج الباب رأسه ، فلما جاء الله بالإسلام وهدم أمر الجاهلية ، أنزل الله عزوجل (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ، وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى ، وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها).
(أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) (٢٣)
(إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) فأنتم عارفون بأسمائهم ، وأن آباءكم نصبوها آلهة ، وقال تعالى في عبادة هؤلاء : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) فما نسب قط أنهم عبدوا غير الله إلا على طريق الظن لا على جهة العلم ، فإن ذلك في نفس الأمر ليس بعلم ؛ فلو علم المشرك ما يستحقه الحق من نعوت الجلال لعلم أنه لا يستحق أن يشرك به ، ولو علم المشرك أن الذي جعله شريكا لا يستحق أن يوصف بالشركة لله في ألوهته لما أشرك ، فما أخذ إلا بالجهل من الطرفين (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) فإن الإله الذي أدعوكم إليه تعرفونه ، وأن اسمه الله لا تنكرونه ، وأنتم القائلون : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فسميتموه ، فهذا الذي جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم من عند الله الذي عبد هؤلاء هذه المسماة آلهة عندهم على جهة القربة إلى الله الكبير المتعال.