لا حكم له في القضاء ، بل حكمه في المقدّر لا غير بحكم القضاء ، فالقاضي حاكم والمقدار مؤقت ، فالقدر التوقيت في الأشياء ، فما أنزل الله شيئا إلا بقدر معلوم ، ولا خلق شيئا إلا بقدر ، وبالقدر تقوم الحجة لله في عباده ، فكل شيء بقضاء وقدر أي بحكم مؤقت ، فمن حيث التوقيت المطلق يجب الإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره ، ومن حيث التعيين يجب الإيمان به لا الرضا ببعضه ، فإن الله تعالى أمرنا بالرضا قبل القضاء مطلقا ، فعلمنا أنه يريد الإجمال ، فإذا فصّله حال المقضي عليه بالمقضي به انقسم إلى ما يجوز الرضا به وإلى ما لا يجوز ، وعلم القدر طوي عن كل ما سوى الله ، فإن القدر نسبة مجهولة خاصة ، وهو مرتبة بين الذات وبين الحق من حيث ظهوره ، فلا يعلم أصلا وعز عن العلم به أو تصوره ، فلا ينال أبدا ، وقد كان العزير رسول الله عليهالسلام كثير السؤال عن القدر إلى أن قال له الحق : يا عزير لئن سألت عنه لأمحون اسمك من ديوان النبوة ، فإن من علم الله علم القدر ، ومن جهل الله جهل القدر ، والله سبحانه مجهول ، فالقدر مجهول ، وسبب طي علم القدر ، سبب ذاتي ، حتى لا يشارك الحق في علم حقائق الأشياء من طريق الإحاطة بها ، إذ لو علم أي معلوم كان بطريق الإحاطة من جميع وجوهه كما يعلمه الحق لما تميز علم الحق عن علم العبد بذلك الشيء ، فالعبد جاهل بكيفية تعلق العلم مطلقا بمعلومه ، فلا يصح أن يقع الاشتراك مع الحق في العلم بمعلوم ما ، ومن المعلومات العلم بالعلم ، وما من وجه من المعلومات إلا وللقدر فيه حكم لا يعلمه إلا الله ، فلو علم القدر علمت أحكامه ، ولو علمت أحكامه لاستقل العبد في العلم بكل شيء ، وما احتاج إلى الحق في شيء ، وكان الغنى له على الإطلاق ، لذلك طواه الله عن عباده ، ومن الأسباب التي لأجلها طواه عن الإنسان كون ذات الإنسان تقتضي البوح به ، لأنه أسنى ما يمدح به الإنسان ولا سيما الرسل ، فحاجتهم إليه آكد من جميع الناس ، لأن مقام الرسالة يقتضي ذلك ، وما ثمّ علم ولا آية أقرب للدلالة على صدقهم من مثل هذا العلم ، والرسالة تعطي الرغبة في هداية الخلق أجمعين ، ولا طريق للهداية أوضح من هذا الفن ، فالذي كانوا يلقونه من الكتم من الألم والعذاب في أنفسهم لا يقدر قدره ، لأن الغيرة الإلهية اقتضت طي هذا العلم عمن لا ينبغي أن يظهر عليه ، فخفف الله عن الرسل مثل هذا الألم فطوى هذا العلم عنهم ، فإن النشأة العنصرية تقتضي عدم الكتم فيما ينبغي أن تمدح به.