الحق ، ويعلمون أنه بالمرصاد ، وهو الحاكم وبيده الميزان يرفع ويخفض ، لم
يصح نزاع في العالم ، فدل وقوعه أن الكل في حجاب عن الحاكم صاحب الوزن والميزان ،
فإذا رأيت من ينازع في العالم فاعلم أنه في حجاب عن الله ، فإنه تعالى وضع الميزان
للنقصان والرجحان ، ليزن به الثقلان.
(أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ)
(٨)
لكم بالرجحان
وعليكم بالنقصان ، فذلك الإفراط والتفريط من أجل الخسران.
(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا
الْمِيزَانَ) (٩)
(وَأَقِيمُوا
الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) فإن الله وضع لنا في العالم الموازين الشرعية لنقيم بها
الوزن بالقسط ، وهو الاعتدال ، مثل لسان الميزان والكفتين ومثل اعتدال الإنسان ،
إذ الإنسان لسان الميزان ، فلابد فيه من الميل إلى جانب داعي الحق ، فالواجب إقامة
الوزن بالقسط ، فإن رجحت الوزن في القضاء فهو أفضل ، فإنك امتثلت أمر الله ، فإنه
ما رجح الميزان حتى اتصف بالإقامة التي هي حد الواجب ثم رجح ، والذي يخسر الميزان
ما بلغ بالوزن حد الإقامة حتى يحصل الواجب ، مثل ما فعل المرجح ، فما حمدنا المرجح
إلا لحصول إقامة الوزن لا للترجيح ، ثم أثنينا عليه ثناء آخر بالترجيح ، فالمرجح
محمود من وجهين ، وحمده من جهة الإقامة أعلى لأنه الحمد الوجوبي (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) وهو الموزون من الأعيان ، فلا تفرطوا بترجيح إحدى
الكفتين إلا بالفضل ، فإنه إذا أقيمت موازين الشرع الإلهي في العالم سرى العدل في
العالم. واعلم أنه ما من صنعة ولا مرتبة ولا حال ولا مقام إلا والوزن حاكم عليه
علما وعملا ، فللمعاني ميزان بيد العقل يسمى المنطق ، يحوي على كفتين تسمى
المقدمتين ، وللكلام ميزان يسمى النحو ، يوزن به الألفاظ ، لتحقيق المعاني التي
تدل عليه ألفاظ ذلك اللسان ، ولكل ذي لسان ميزان ، فالأمر محصور في علم وعمل ،
والعمل على قسمين : حسي وقلبي ، والعلم على قسمين : عقلي وشرعي ، وكل قسم على وزن
معلوم عند الله في إعطائه ، وطلب من العبد لما كلفه أن يقيم الوزن بالقسط ، فلا
يطغى فيه ولا يخسره ، وميزان العمل حسي وقلبي ، كل من جنسه ، فميزان العمل أن ينظر
إلى