حكم وجوب الوجود ، للتمييز بينها وبين الله ، إذ لا يرتفع ذلك ولا يصح لها فيه قدم ، وهو تعالى في شؤون العالم بحسب ما يقتضيه الترتيب الحكمي ، فشأنه غدا لا يمكن أن يكون إلا في غد ، وشأن اليوم لا يمكن أن يكون إلا اليوم ، وشأن أمس لا يمكن أن يكون إلا في أمس ، هذا كله بالنظر إليه تعالى ، وأما بالنظر إلى الشأن ، يمكن أن يكون في غير الوقت الذي تكون فيه لو شاء الحق تعالى ، وما في مشيئته جبر ، ولا تحير ، تعالى الله عن ذلك ، بل ليس لمشيئته إلا تعلق واحد لا غير ، فكل يوم هو في شأن وهو ما يحدث في أصغر يوم في العالم من الآثار الإلهية والانفعالات ، من تركيب وتحليل وتصعيد وتنزيل وإيجاد وشهادة ، وكنّى عزوجل عن هذا اليوم الصغير باليوم المعروف في العامة ، فوسّع في العبارة من أجل فهم المخاطبين وقال : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فالشأن مسألة السائلين ، فإنه ما من موجود إلا وهو سائله تعالى ، لكن هم على مراتب في السؤال ، فأما الذين لم يوجدهم الله عن سبب فإنهم يسألونه بلا حجاب ، لأنهم لا يعرفون سواه علما وغيبا ، ومنهم من أوجده الله تعالى عند سبب يتقدمه ، وهو أكثر العالم ، وهم في سؤاله على قسمين : منهم من لم يقف مع سببه أصلا ولا عرّج عليه ، وفهم من سببه أنه يدله على ربه لا على نفسه ، فسؤال هذا الصنف كسؤال الأول بغير حجاب ، ومنهم من وقف مع سببه وهم على قسمين : منهم من عرف أن هذا سبب قد نصبه الحق ، وأن وراءه مطلبا آخر فوقه ، وهو المسبب له ، ولكن ما تمكنت قدمه في درج المعرفة لموجد السبب ، فلا يسأله إلا بالسبب ، لأنه أقوى للنفس ، ومنهم من لم يعرف أن خلف السبب مطلبا ، ولا أن ثمّ سببا ، فالسبب عنده نفس المسبب ، فهذا جاهل ، فسأل السبب فيما يضطر إليه ، لأنه تحقق عنده أنه ربه ، فما سأل إلا الله ، لأنه لو لم يعتقد فيه القدرة على ما سأله فيه لما عبده ، وذلك لا يكون إلا الله ، فهو ما سأل إلا الله ، ومن هذا المقام يجيبه الحق على سؤاله لأنه المسؤول ، ولكن بهذه المثابة ، فعلى هذا هو المسؤول بكل وجه وبكل لسان ، وعلى كل حال ، والمشهود له بالقدرة المطلقة النافذة في كل شيء ، فما من جوهر فرد في العالم إلا وهو سائله سبحانه في كل لحظة وأدق من اللحظة ، لكون العالم في كل لطيفة ودقيقة مفتقر إليه ومحتاج ، أولها في حفظه لبقاء عينه ومسك الوجود عليه بخلق ما به بقاؤه ، وليس من شرط السؤال هنا بالأصوات فقط ، وإنما السؤال من كل عالم بحسب