خلّاق على الدوام ، ولو بقي العالم على حالة واحدة زمانين لاتصف بالغنى عن الله ، ولكن الناس في لبس من خلق جديد ، والخلق الجديد حيث كان دنيا وآخرة وبرزخا. فمن المحال بقاء حال على عين نفسين أو زمانين للاتساع الإلهي ، لبقاء الافتقار على العالم إلى الله ، فالتغيير له واجب في كل نفس ، والله خالق فيه في كل نفس ، فالأحوال متجددة مع الأنفاس على الأعيان ، لذلك نزل في سورة الرحمن أنه عزوجل كل يوم هو في شأن ، والشؤون لا تنحصر فلا تقتصر ، واليوم مقداره النفس ، فراقب الصبح إذا تنفس بما تنفس ، واحذر من الليل إذا عسعس ، فإنه أبلس فيه من أبلس ، فإن الحق سبحانه في كل نفس في الخلق في شأن ، وهو أثره في كل عين موجودة بكيفية خاصة ، فمن فاته مراعاة أنفاسه في الدنيا والآخرة فاته خير كثير ، فإن الحق في كل يوم من أيام الأنفاس في شأن ، ما وكّلته فيه ، فإنه لك يتصرف ولك يصرف فيما استخلفك فيه ، فأنت تتصرف عن أمر وكيلك ، فأنت خليفة خليفتك. واعلم أن الأسماء الإلهية التي يظهر بها الحق في عباده ، وبها يتلون العبد في حالاته ، هي في الحق أسماء وفينا تلوينات ، وهي عين الشؤون التي هو فيها الحق ، فكل حال في الكون هو عين شأن إلهي ، فالعالم كله على الصورة ، وليس هو غير الشؤون التي يظهر بها ، وهذه الانتقالات في الأحوال من أثر كونه كل يوم هو في شأن ، فالشؤون الإلهية هي الاستحالات في الدنيا والآخرة ، فلا يزال الحق يخلع صورة فيلحقها بالثبوت والعدم ، ويوجد صورة من العدم في هذا الملأ ، فلا يزال التكوين والتغيير فيه أبدا ، ويتميز الحق عن الخلق بأنه يتقلب في الأحوال ، لا تتقلب عليه الأحوال ، لأنه يستحيل أن يكون للحال على الحق حكم ، بل له تعالى الحكم عليها ، فلهذا يتقلب فيها ولا تتقلب عليه ، فإنها لو تقلبت عليه أوجبت له أحكاما ، وعين العالم ليس كذلك ، تتقلب عليه الأحوال فتظهر فيها أحكامها ، وتقليبها عليها بيد الله تعالى ، ولو لا الأحوال ما تميزت الأعيان ، فإنه ما ثمّ إلا عين واحدة تميزت بذاتها عن واجب الوجود ، كما اشتركت معه في وجوب الثبوت ، فله تعالى الثبوت والوجود ، ولهذه العين وجوب الثبوت ، فالأحوال لهذه العين كالأسماء الإلهية للحق ، فكما أن الأسماء للعين الواحدة لا تعدد المسمى ولا تكثّره ، كذلك الأحوال لهذه العين لا تعددها ولا تكثرها ، مع معقولية الكثرة والعدد في الأسماء والأحوال ، فحصل لهذه العين الكمال بالوجود ، الذي هو من جملة الأحوال التي تقلبت عليها ، فما نقصها من الكمال إلا نفي