الرحيل ، رجله في غرز ركابه ، وهنالك ينكشف له شهودا حقيقة قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) وفي حق طائفة (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) غير أن الذين بقيت لهم أنفاس من الحاضرين لا يبصرون معية الحق في أينية هذا العبد ، فإنهم في حجاب عن ذلك ، وهو قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) وإنما هو يبصر فإنه مكشوف الغطاء ، فبصره حديد ، ومن وجه آخر (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) يعني الأسباب التي أوقف الله وجوده عليه ، أو ربطه به على جهة العلّية أو الشرط (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) أي لا تميزون ، يعني نسبته إلينا لا إلى السبب ، يقول : تبصرون ، ولكن لا تعرفون ما تبصرون ، فكأنكم لا تبصرون ، فأثبت قربه إلى الأشياء ونفى العلم بكيفية قربه من الأشياء بقوله : (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) فعم البصيرة والبصر ، إذ كان إدراك البصر في الباطن يسمى بصيرة ، فسمي في إدراك المحسوس بصرا ، وفي إدراك المعاني بصيرة ، قال صلىاللهعليهوسلم : [إن لله سبعين حجابا من نور وظلمة ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه] فانظر ما ألطف هذه الحجب وأخفاها ، فتمنعنا هذه الحجب من رؤيته في القرب العظيم ، وما نرى لهذه الحجب عينا ، فهي أيضا محجوبة عنا ؛ نعم يا ربنا ما نبصرك ولا نبصر الحجب ، فنحن خلف حجاب الحجب ، وأنت منا بمكان الوريد أو أقرب إلينا من أنفسنا ، فغاية القرب حجاب ، كما أن غاية البعد حجاب ، قصمت الظهور وحيّرت العقول ، فبالحس ما تدرك ، وبالعقل ما تدرك ؛ واعلم أن الشارع أمرنا بتلقين المحتضر عند الموت ، فإن الهول شديد والمقام عظيم ، وهو وقت الفتنة التي هي فتنة المحيا ، بما يكشفه المحتضر عند كشف الغطاء عن بصره ، فيعاين ما لا يعاينه الحاضر ، ويتمثل له من سلف من معارفه على الصور التي يعرفهم فيها ، وهم الشياطين تتمثل إليه على صورهم بأحسن زي وأحسن صورة ، ويعرفونه أنهم ما وصلوا إلى ما هم فيه من الحسن إلا بكونهم ماتوا مشركين بالله ، فينبغي للحاضرين عنده في ذلك الوقت من المؤمنين أن يلقنوه شهادة التوحيد ، ويعرفوه بصورة هذه الفتنة لينتبه بذلك ، فيموت مسلما موحدا مؤمنا ، فإنه عندما يتلفظ بشهادة التوحيد ويتحرك بها لسانه ، أو يظهر نورها من قلبه بتذكره إياها ، فإن ملائكة الرحمة تتولاه وتطرد عنه تلك الصور الشيطانية التي تحضره.