لا في الدنيا ولا في الآخرة ، إذ كان التجلي عبارة عن ظهوره لمن تجلى له في ذلك المجلى ، وهو الاسم الظاهر ، فالظاهر للصور والباطن للعين ، فالعين غيب أبدا والصور شهادة أبدا ، وكل زيادة في العلم أي علم كان لا تكون إلا عن التجلي الإلهي ، فالتجلي الصوري يدرك بعالم الحس في برزخ التمثل لظاهر النفس ، وإذا وقع التجلي بالاسم الظاهر لباطن النفس وقع الإدراك بالبصيرة في عالم الحقائق والمعاني المجردة عن المواد ، وهو المعبر عنها بالنصوص ، فالحق هو الظاهر الذي تشهده العيون ، والباطن الذي تشهده العقول ، فهو مشهود للبصائر والأبصار ، غير أنه لا يلزم من الشهود العلم بأنه هو ذلك المطلوب إلا بإعلام الله ، فكل ما هو العالم فيه من تصريف وانقلاب وتحول من صور في حق وخلق فذلك من حكم الاسم الظاهر ، وهو منتهى علم العالم والعلماء بالله ، وأما الاسم الباطن فهو إليه لا إلينا ، وما بأيدينا منه سوى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) على بعض وجوه محتملاته ، إلا أن أوصاف التنزيه لها تعلق بالاسم الباطن وإن كان فيه تحديد ، ولكن ليس في الإمكان أكثر من هذا ، فإنه غاية الفهم عندنا الذي يعطيه استعدادنا. واعلم أن أحوال العالم مع الله على ثلاث مراتب : مرتبة يظهر فيها تعالى بالاسم الظاهر فلا يبطن عن العالم شيء من الأمر ، وذلك في موطن مخصوص ، وهو في العموم موطن القيامة ؛ ومرتبة يظهر فيها الحق في العالم في الباطن ، فتشهده القلوب دون الأبصار ، ولهذا يرجع الأمر إليه ، ويجد كل موجود في فطرته الاستناد إليه والإقرار به ، من غير علم به ولا نظر في دليل ، فهذا من حكم تجليه سبحانه في الباطن ؛ ومرتبة ثالثة له فيها تجل في الظاهر والباطن فيدرك منه في الظاهر قدر ما تجلى به ، ويدرك منه في الباطن قدر ما تجلى به ، فله تعالى التجلي الدائم العام في العالم على الدوام ، وتختلف مراتب العالم فيه لاختلاف مراتب العالم في نفسها ، فهو يتجلى بحسب استعدادهم ، فهو عند العارفين اليوم في الدنيا على حكم تجليه في القيامة ، فيشهده العارفون في صور الممكنات المحدثات الوجود ، وينكره المحجوبون من علماء الرسوم ، ولهذا يسمى بالظاهر في حق هؤلاء العارفين ، والباطن في حق هؤلاء المحجوبين ، وليس إلا هو سبحانه ، فأهل الله الذين هم أهله لم يزالوا ولا يزالون دنيا وآخرة في مشاهدة عينية دائمة ، وإن اختلفت الصور فلا يقدح ذلك عندهم ، ولما سمى الله نفسه بالظاهر والباطن ، اقتضى ذلك أن يكون الأمر الوجودي بالنسبة إلينا بين جلي وخفي ، فما جلّاه لنا فهو الجلي ، وما ستره عنا فهو الخفي ، وكل