وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (٧)
لما أقام الله الإنسان خليفة فهو وكيل أمره بقوله : (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) والاستخلاف نيابة ، فإن المال لله والتصرف لك فيه على حد من استخلفك فيه ، فهي نيابة العبد عن الله ، فإن الله ما خلق الأشياء ـ والأموال من الأشياء ـ إلا له تعالى لتسبيحه ، ووقعت المنفعة لنا بحكم التبعية ، فالوكيل يملك التصرف في مال الموكل ولا يملك المال ، فحد لنا في الوكالة أمورا لا نتعداها ، فما هي وكالة مطلقة مثل ما وكلناه نحن بأمره (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) فحد حدودا لنا ، إن تعديناها تعدينا حدود الله ، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ، فإن زدنا على ما رسم لنا أو نقصنا عاقبنا ، فلو كانت الأموال لنا لكان تصرفنا فيها مطلقا ، وما وقع الأمر هكذا ، بل حجر علينا التصرف فيها ، فما هي وكالة مفوضة ، بل مقيدة بوجوه مخصوصة من رب المال الذي هو الحق الموكل ، فأمرنا بالإنفاق بما حد لنا أن ننفقه فيه ، امتثالا وأداء أمانة لمن شاء من عبيده ، فلنا الإنفاق بحكم الخلافة ، والإنفاق ملك لنا ، والإنفاق تصرف ، فجعلنا الحق عن أمره وكيلا عنا في الإنفاق لقوله تعالى : (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) أي خليفة ، لعلمنا بأنه يعلم من مواضع التصرف ما لا نعلمه ، فهو المالك وهو الخليفة ، فهو أعلم بالمصالح ومواضع الإنفاق التي لا يدخلها حكم الإسراف ولا التقتير ، فتولى الله الإنفاق علينا بأن ألهمنا حيث ننفق ومتى ننفق ، فإن النفقة على أيدينا تظهر ، فيدنا يد الوكيل في الإنفاق ، فإن الله لما أخبر أن لقوم في أموالهم حقا يؤدونه ، وما له سبب ظاهر تركن النفس إليه لا من دين ولا بيع ، إلا ما ذكر الله تعالى من ادخار ذلك له ثوابا إلى الآخرة ، شق ذلك على النفوس للمشاركة في الأموال ، ولما علم الله هذا منهم في جبلة نفوسهم ، أخرج ذلك القدر من الأموال من أيديهم ، بل أخرج جميع الأموال من أيديهم فقال تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) أي هذا المال ما لكم منه إلا ما تنفقون منه ، وهو التصرف فيه ، كصورة الوكلاء ، والمال لله ، وما تبخلون به فإنكم تبخلون بما لا تملكون ، لكونكم فيه خلفاء ، وعلى ما بأيديكم أمناء فينبههم بأنهم مستخلفون فيه ، وذلك ليسهل عليهم الصدقات رحمة بهم.