لأنا لا نعرفها ، فإذا قدّم لنا أسماء الرحمة عرفناها وحننا إليها ، عند ذلك يتبعها أسماء الكبرياء لنأخذها بحكم التبعية ، فقال تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) فهذا نعت يعم الجميع أي جميع المخلوقات ، وليس واحدته بأولى من الآخر ، ثم ابتدأ فقال (هُوَ الرَّحْمنُ) فعرفنا (الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) لأنا عنه وجدنا ، ثم قال بعد ذلك (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ابتدأ ليجعله فصلا بين (الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) وبين (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) فقال (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ) وهذا كله من نعوت الرحمن ، ثم جاء وقال (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) فقبلنا هذه النعوت بعد أن آنسنا بأسماء اللطف والحنان وأسماء الاشتراك التي لها وجه إلى الرحمة ، ووجه إلى الكبرياء وهو (اللهُ) و (الْمَلِكُ) فلما جاء بأسماء العظمة والمحل قد تأنس بترادف الأسماء الكثيرة الموجبة الرحمة ، قبلنا أسماء العظمة لما رأينا أسماء الرحمة قد قبلتها حيث كانت نعوتا لها ، فقبلناها ضمنا تبعا لأسمائنا ، ثم إنه لما علم الخالق أن صاحب القلب والعلم بالله وبمواقع خطابه إذا سمع مثل أسماء العظمة لابد أن تؤثر فيه أثر خوف وقبض ، نعتها بعد ذلك وأردفها بأسماء لا تختص بالرحمة على الإطلاق ، ولا تعرى عن العظمة على الإطلاق فقال : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) وهذا كله تعليم من الله عباده وتنزل إليهم ، ولهذا قدّم سبحانه في كتابه بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة إذ كانت تحوي على أمور مخوفة تطلب أسماء العظمة والاقتدار ، فقدم أسماء الرحمة تأنيسا وبشرى ، وما طلب الله تعالى من عباده في حقه إلا أن يعلموا أنه إله واحد لا شريك له وبشرى ، وما طلب الله تعالى من عباده في حقه طلا أن يعلموا أنه إله واحد لا شريك له في ألوهته لا غير ، وأن له الأسماء الحسنى بما هي عليه من المعاني في اللسان ، وقرن النجاة والسعادة بمن وقف عندما جاء من عنده عزوجل في كتبه وعلى ألسنة رسله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(٦٠) سورة الممتحنة مدنيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ