هم عليه من الجاه ، ثم قال تعالى (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) لمن ينسبون العزة وأن العزة للرسول وللمؤمنين ، وتتميز العزة في كل موطن عن الآخر ، فالعزة لله لذاته إذ لا إله إلا هو ، وعزة رسوله بالله ، وعزة المؤمنين بالله وبرسوله ، ولما سمع أولوا الألباب هذا الخطاب تنبهوا لما ذكر المؤمنين ، فلله العزة في المؤمنين ، فإنه المؤمن في المؤمنين ، فإن الحق إذا كان سمع العبد المؤمن وبصره كانت العزة لله بما كان للعبد به في هذا المقام عزيزا ، ألا تراه في هذا المقام لا يمتنع عليه رؤية كل مبصر ولا مسموع ولا شيء مما تطلبه قوة من قوى هذا العبد ، لأن قواه هوية الحق ، ولله العزة ، ويمتنع أن يدركه من ليست له هذه القوة من المخلوقين ، ولهذا ما ذكر الله العزة إلا للمؤمنين ، ثم إن عزة الرسول بالمؤمنين إذا كانوا هم الذين يذبون عن حوزته ، فلا عزة إلا عزة المؤمن ، فبالعزة يغلب ، وبالعزة يمتنع ، فهي الحصن المنيع ، وهي حمى الله وحرمه ، ولا يعرف حمى الله ويحترمه إلا المؤمن خاصة ، والمؤمن بالعزة يمتنع أن يؤثر فيه المخالف الذي يدعوه إلى الكفر بما هو به مؤمن ، واعلم أن إعزاز الله عبده أن لا يقوم به من نعوت الحق في العموم نعت أصلا ، فهو منيع الحمى من صفات ربه ، فإنه أعظم الاعتزاز من حمى نفسه من أن يقوم به وصف رباني ، وليس إلا العبد المحض ، فإن ظهر بأمر الله ، فأمر الله أظهره ، واعلم أن العزة إن أخذها العبد عن أمر الله ، ولكنه لما قام بها في الخلق وظهر بها اعتز في نفسه على أمثاله ، لحق بالأخسرين أعمالا ، وهم ملوك الإسلام وسلاطينهم وامراؤهم ، يفتخرون بالرياسة على المرؤوسين جهلا منهم ، ولذلك لا يكون أحد أذل منهم في نفوسهم وعند الناس إذا عزلوا عن هذه المرتبة ، ومن كان في ولايته حاله مع الخلق حاله دون هذه الولاية ثم عزل ، لم يجد في نفسه أمرا لم يكن عليه ، فبقي مشكورا عند الله وعند نفسه وعند المرؤوسين الذين كانوا تحت حكم رياسته ، وهذا هو المعتز بالله ، بل العزيز الذي منع حماه أن يتصف بما ليس له إلا بحكم الجعل ، فمن اعتز بالحق سعد ، ومن اعتز بغيره شقي وإن نصر في الوقت ـ إشارة ـ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، فلا يتواضع إلا مؤمن ، فإن له الرفعة الإلهية بالإيمان.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ