عنده وهي عليه في نفسها ، وذلك الحد هو عين عبوديتها ، ومن ظلم نفسه كان لغيره أظلم ، وأما قوله تعالى (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) وذلك لأنا ما عرفنا من القوى الموجودة في الإنسان إلا قدر ما أوجد فيه ، وربما في علم الله عنده أو في الإمكان قوى لم يوجدها الله تعالى فينا اليوم ، ومنها قوى فوق طور العقل ، وهي قوة يوجدها الله في بعض عباده من رسول ونبي وولي ، تعطي خلاف ما أعطته قوة العقل ، وجاءت كلمة (لَعَلَّ) وهي كلمة ترج ـ وكل ترج إلهي فهو واقع لابد منه ـ وهذه القوة قد يحدثها الله في هذه النشأة الدنيا ، وأما في الأحكام فمعلوم أن الرسول صلىاللهعليهوسلم لما قرر حكم المجتهد لا يزال حكم الشرع ينزل من الله على قلوب المجتهدين إلى انقضاء الدنيا ، فقد يحكم اليوم مجتهد في أمر لم يتقدم فيه ذلك الحكم واقتضاه له دليل هذا المجتهد من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس جلي ، فهذا أمر قد حدث في الحكم إذا تعداه المجتهد أو المقلد له فقد ظلم نفسه.
(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) (٢)
(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) يقول مؤمنين لم تروا منهم ما يؤدي إلى تجريحهم ، وليس لكم أن تبحثوا عنهم إذ ليس في الآية ذلك ... (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً). وهو قوله تعالى : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) فيخرج مما كان فيه فيفارقه إلى أمر آخر ، فيخرج من الضيق إلى السعة ، ومن عدم الرضى بحاله إلى الرضى بحاله ، فمن اتخذ الله وقاية أخرجه من الضيق ، أي أزال الضيق عنه ، فاتسع في مدلول الاسم الله من غير تعيين ، ولذلك رزقه من حيث لا يحتسب ، لأنه لم يقيد فلم يتقيد ، فكل شيء أقامه الحق فيه فهو له ، فيرجع محيطا بما أعطاه الله فله السعة دائما أبدا ، فإن الانتقال يعم الجميع ، والرضا وعدم الرضا الموجب للضيق هو الذي يتفاضل فيه الخلق ؛ فمن اتقى الله خرج إلى سعة هذا الاسم ، فيتسع باتساع هذا الاسم اتساعا لا ضيق بعده ، ومن لم يتق الله خرج من ضيق إلى ضيق ، ومن أراد أن يجرب نفسه ويأتي إلى الأمر من فصه ، فلينظر في نفسه ، إلى علمه برزقه ما هو؟ فإن لم