هل ما علمتني أو ما تمليه علي؟ فهذا من أدب المتعلم إذا قال له المعلم قولا مجملا يطلب التفصيل ، فقال له [اكتب ما كان وما قد علمته ، وما يكون مما أمليه عليك ، وهو علمي في خلقي إلى يوم القيامة لا غير] فكتب ما في علمه مما كان ، فكتب العماء الذي كان فيه الحق قبل أن يخلق خلقه وما يحوي عليه ذلك العماء من الحقائق ، وكتب وجود الأرواح المهيمة وما هيمهم وأحوالهم وما هم عليه ، وذلك كله ليعلمه ، وكتب تأثير أسمائه فيهم ، وكتب نفسه ووجوده وصورة وجوده ، وما يحوي عليه من العلوم ، وكتب اللوح ، فلما فرغ من هذا كله ، أملى عليه الحق ما يكون منه إلى يوم القيامة ، لأن دخول ما لا يتناهى في الوجود محال ، فلا يكتب ، فإن الكتابة أمر وجودي ، فلابد أن يكون متناهيا ، وكتب القلم منكوس الرأس أدبا مع المعلم ، لأن الإملاء لا تعلق للبصر به ، بل متعلق البصر الشيء الذي يكتب فيه ، والسمع من القلم هو المتعلق بما يمليه الحق عليه ، فأول استاذ من العالم هو العقل الأول ، وأول متعلم أخذ عن أستاذ مخلوق هو اللوح المحفوظ ، والمعلم على الحقيقة هو الله تعالى ، والعالم كله مستفيد ، طالب مفتقر ذو حاجة ، وهو كماله ، واعلم أن في نفس النون الرقمية (ن) ـ التي هي شطر الفلك ـ من العجائب ما لا يقدر على سماعها إلا من شد عليه مئزر التسليم ، وتحقق بروح الموت الذي لا يتصور ممن قام به اعتراض ولا تطلع ، وكذلك في نفس نقطة النون أول دلالة النون الروحانية المعقولة فوق شكل النون السفلية ، التي هي النصف من الدائرة ، والنقطة الموصولة بالنون المرقومة الموضوعة ، أول الشكل التي هي مركز الألف المعقولة ، التي بها يتميز قطر الدائرة ، والنقطة الأخيرة التي ينقطع بها شكل النون وينتهي بها هي رأس هذا الألف المعقولة المتوهمة ، فتقدر قيامها من رقدتها فترتكز لك على النون فيظهر من ذلك حرف اللام ، والنون نصفها زاي مع وجود الألف المذكورة ، فتكون النون بهذا الاعتبار تعطيك الأزل الإنساني ، كما أعطاك الألف والزاي واللام في الحق ، غير أنه في الحق ظاهر ، لأنه بذاته أزلي لا أول له ، ولا مفتتح لوجوده في ذاته بلا ريب ، والإنسان أزلي خفي فيه الأزل فجهل ، لأن الأزل ليس ظاهرا في ذاته ، وإنما صح فيه الأزل لوجه ما من وجوه وجوده ، منها وجوده على صورته التي وجد عليها في عينه في العلم القديم الأزلي المتعلق به في حال ثبوته ، فهو موجود أزلا ، كما أن حقائقه مجردة عن الصورة المعينة معقولة أزلية تقبل القدم والحدوث.