(يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) هو دعاء تمييز لا دعاء تكليف ، فإن الآخرة ليست بمحل تكليف إلا في يوم القيامة في موطن التمييز ، حين يدعون إلى السجود ، إلا الحديث الذي أخرجه الحميدي في كتاب الموازنة ولم يثبت ، ولما اقترن به الأمر أشبه التكليف ، فجوزوا بالسجود جزاء المكلفين ، فالتشريع لا يكون في الآخرة إلا في موطن واحد حين يدعون إلى السجود ، ليرجح بتلك السجدة ميزان أصحاب الأعراف ، فيقال بهذه السجدة يوم القيامة يرجح ميزان أهل الأعراف لأنها سجدة تكليف ، فيسعدون فينصرفون إلى الجنة بعدما كان منزلهم في سور الأعراف ، ليس لهم ما يدخلهم النار ولا ما يدخلهم الجنة ، وإن شئت قلت سجود تمييز لا سجود ابتلاء ، فيتميز في دعاء الآخرة إلى السجود من سجد لله ممّن سجد اتقاء ورياء ، وفي الدنيا لم يتميز لاختلاط الصور.
(خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٤٥)
اعلم أن المكر الإلهي إنما أخفاه الله عن الممكور به خاصة لا عن غير الممكور به ، ولهذا قال : (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) فأعاد الضمير على المضمر في سنستدرجهم.
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) (٥٢)