خاصة ، وتأتي الملائكة ملائكة السموات ، ملائكة كل سماء على حدة متميزة عن غيرها ، فيكونون سبعة صفوف ، أهل كل سماء صف ، والروح قائم مقدّم الجماعة ، وهو الملك الذي نزل بالشرائع على الرسل ، ثم يجاء بالكتب المنزلة والصحف ، وكل طائفة ممن نزلت من أجلها خلفها ، فيمتازون عن أصحاب الفترات وعمن تعبد نفسه بكتاب لم ينزل من أجله ، وإنما دخل فيه وترك ناموسه لكونه من عند الله ، وكان ناموسه عن نظر عقلي من عاقل مهدي ، ثم يأتي الله عزوجل على عرشه والملائكة الثمانية تحمل ذلك العرش فيضعونه في تلك الأرض ، والجنة عن يمين العرش والنار من الجانب الآخر وقد علت الهيبة الإلهية وغلبت على قلوب أهل الموقف من إنسان وملك وجان ووحش ، فلا يتكلمون إلا همسا ، بإشارة عين وخفي صوت ، وترفع الحجب بين الله وبين عباده ، وهو كشف الساق ، ويأمرهم داعي الحق عن أمر الله بالسجود ، فلا يبقى أحد سجد لله خالصا على أي دين كان إلا سجد السجود المعهود ، ومن سجد اتقاء ورياء خر على قفاه ، وبهذه السجدة يرجح ميزان أصحاب الأعراف ـ لأنها سجدة تكليف ـ فيسعدون ويدخلون الجنة ، ويشرع الحق في الفصل والحكم بين عباده فيما كان بينهم ، وأما ما كان بينهم وبين الله فإن الكرم الإلهي قد أسقطه ، فلا يؤاخذ الله أحدا من عباد الله فيما لم يتعلق به حق للغير ، وقد ورد في أخبار الأنبياء عليهمالسلام في ذلك اليوم ما قد ورد على ألسنة الرسل ، ثم تقع الشفاعة الأولى من محمد صلىاللهعليهوسلم في كل شافع أن يشفع ، فيشفع الشافعون ، ويقبل الله من شفاعتهم ما شاء ويرد من شفاعتهم ما شاء ، لأن الرحمة في ذلك اليوم يبسطها الله في قلوب الشفعاء ، فمن ردّ الله شفاعته من الشافعين لم يردها انتقاصا بهم ، ولا عدم رحمة بالمشفوع فيه ، وإنما أراد بذلك إظهار المنة الإلهية على بعض عباده ، فيتولى الله سعادتهم ورفع الشقاوة عنهم ، فمنهم من يرفع ذلك عنه بإخراجهم من النار إلى الجنان ، وقد ورد شفاعته بشفاعة أرحم الراحمين عند المنتقم الجبار ، فهي مراتب أسماء إلهية لا شفاعة محققة ، فإن الله يقول في ذلك اليوم [شفعت الملائكة والنبيون والمؤمنون وبقي أرحم الراحمين] فدل بالمفهوم أنه لم يشفع ، فيتولى بنفسه إخراج من يشاء من النار إلى الجنة ، ونقل حال من هو من أهل النار من شقاء الآلام إلى سعادة إزالتها ، فذلك قدر نعيمه ، وقد يشاء ويملأ الله جهنم بغضبه المشوب وقضائه والجنة برضاه ، فتعم الرحمة وتنبسط النعمة.