نشأة الدنيا الظاهرة وبين نشأة الآخرة الظاهرة ، فإذا أخرجت الأرض أثقالها وحدثت أنها ما بقي فيها مما اختزنته شيء ، جيء بالعالم إلى الظلمة التي دون الجسر ، فألقوا فيها حتى لا يرى بعضهم بعضا ، ولا يبصرون كيف التبديل في السماء والأرض حتى تقع ، فتمد الأرض أولا مد الأديم وتبسط ، فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، وهي الساهرة فلا نوم فيها ، فإنه لا نوم لأحد بعد الدنيا ، ويرجع ما تحت مقعر الفلك المكوكب جهنم ، ولهذا سميت بهذا الاسم لبعد قعرها ، فأين المقعر من الأرض؟ ويوضع الصراط من الأرض علوا على استقامته إلى سطح الفلك المكوكب ، فيكون منتهاه إلى المرج الذي خارج سور الجنة ، وأول جنة يدخلها الناس هي جنة النعيم ، وفي ذلك المرج المأدبة ، وهي درمكة بيضاء نقية منها يأكل أهل المأدبة ، ووضع الموازين في أرض الحشر لكل مكلّف ميزان يخصه ، وضرب بسور يسمى الأعراف بين الجنة والنار ، وجعله مكانا لمن اعتدلت كفتا ميزانه ، فلم ترجح إحداهما على الأخرى ، ووقفت الحفظة بأيديهم الكتب التي كتبوها في الدنيا من أعمال المكلفين وأقوالهم ، ليس فيها شيء من اعتقادات قلوبهم إلا ما شهدوا به على أنفسهم بما تلفظوا به من ذلك ، فعلقوها في أعناقهم بأيديهم ، فمنهم من أخذ كتابه بيمينه ، ومنهم من أخذه بشماله ، ومنهم من أخذه من وراء ظهره ، وهم الذين نبذوا الكتاب في الدنيا وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا ، وليس أولئك إلا الأئمة الضلال المضلون الذين ضلوا وأضلوا ، وجيء بالحوض يتدفق ماء ، عليه من الأواني على عدد الشاربين منه لا تزيد ولا تنقص ، ترمي فيه أنبوبان أنبوب ذهب وأنبوب فضة ، وهو لزيق بالسور ، ومن السور تنبعث هذان الأنبوبان ، فيشرب منه المؤمنون ، ويؤتى بمنابر من نور مختلفة الإضاءة واللون فتنصب في تلك الأرض ، ويؤتى بقوم فيقعدون عليها قد غشيتهم الأنوار لا يعرفهم أحد ، في رحمة الأبد ، عليهم من الخلع الإلهية ما تقر به أعينهم ، ويأتي مع كل إنسان قرينه من الشياطين والملائكة ، وتنشر الألوية في ذلك اليوم للسعداء والأشقياء بأيدي أئمتهم الذين كانوا يدعونهم إلى ما كانوا يدعونهم إليه من حق وباطل ، وتجتمع كل أمة إلى رسولها ، من آمن منهم به ومن كفر ، وتحشر الأفراد والأنبياء بمعزل من الناس بخلاف الرسل ، فإنهم أصحاب العساكر فلهم مقام يخصهم ، وقد عيّن الله في هذه الأرض بين يدي عرش الفصل والقضاء مرتبة عظمى ، امتدت من الوسيلة التي في الجنة ، يسمى ذلك المقام المحمود وهو لمحمد صلىاللهعليهوسلم