والله لو فتح الله لك بابا إلى مشاهدة توليه لك فيها ، وأخذه بناصيتك إلى عملك لبهرك المقام ، ولخرست وما أعطاك الحال أن تقول : صليت ولا صمت ولا كنيت عن نفسك بشيء من هذه الأفعال ، فمن عرف سر وضع الصلوات ، لم يزل يستعمله في عموم الحالات على تنوع التصرفات ، فلا يبرح على صلاته دائما ، وبسرها حاكما ، ولا يقنع بالاقتصار على المحافظة على الأوقات ، فإنه لأهل الأشغال والغفلات ، ولا شغل للعارفين إلا بربهم ، ولا مراقبة لهم في شيء إلا في قلبهم ، فإنه الذي وسعه ، وناداه فسمعه ، فهو في كل الأحيان شاهده ، وسره مع الأنفاس عابده ، فقابل الدوام بالدوام ، وزاد على اليقين المفضل عند أصحاب الليالي والأيام ، فجواد همته في ميدان الديمومية سائح ، ونون سره في بحرها المتلاطم سابح ، وإن كانت الصلاة مرتبتين محققتين ، مرتبة عميمة ومرتبة مخصوصة ، وأسرارها عند المحققين الذين هم على بينة من ربهم منصوصة ، والدوام إنما يقع في المرتبة العامة وهي المناجاة ، وأما المرتبة المخصوصة فلا يتمكن فيها الدوام لاختلاف المقامات ، وتنوع التنزلات لتنوع الحالات ، فمن وقف على سر الحضور ، لم يقتصر به على بعض الأمور ، وفيه يصح الدوام عند علماء الإلهام ، فقد تبينت الرتب ، وتحققت النسب ، جعلنا الله وإياكم ممن داوم على صلاته في الحكمين ، ففاز بالعلمين.
(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ) (٢٤)
وهي الزكاة ، وإنما اشتدت على الغافلين الجهلاء لكونهم اعتقدوا أن الذي عيّن ملك لهم ، وأن ذلك من أموالهم ، وما علموا أن ذلك المعيّن ما هو لهم ، وأنه في أموالهم لا من أموالهم ، فلا يتعين لهم إلا بالإخراج ، فإذا ميزوه حين ذلك يعرفون أنه لم يكن من مالهم ، وإنما كان في أموالهم مدرجا ، وكانوا يعتقدون أن كل ما بأيديهم هو مالهم وملك لهم ، فلما أخبر الله أن لقوم في أموالهم حقا يؤدونه ، وما له سبب ظاهر تركن النفس إليه ، لا من دين ولا بيع ، إلا ما ذكر الله تعالى من إدخار ذلك له ثوابا إلى الآخرة ، شق ذلك على النفوس للمشاركة في الأموال ، ولما علم الله هذا منهم في جبلة نفوسهم أخرج ذلك القدر من الأموال من أيديهم ، بل أخرج جميع الأموال من أيديهم ، فقال تعالى (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) أي هذا المال ما لكم منه إلا ما تنفقون منه ، وهو التصرف فيه كصورة الوكلاء ، والمال