هو الحضور مع الله دائما ومناجاته ، كانت جميع أفعاله صلاة ، فإن روح الصلاة لا ينفك دائما ، وهم أهل الحضور مع الله على الدوام ، والمشار إليهم بهذه الآية ، فإذا كان العبد في جميع أفعاله في صلاة فإنه يكون من الذين هم على صلاتهم دائمون ، وهم الذاكرون الله في كل أحيانهم ، فهم يناجونه في جميع الأحوال كلها ، فإن المصلي يناجي ربه ، والمناجاة ذكر ، والله جليس من ذكره سبحانه ، والدوام على مناجاته أن يكون العبد في جميع أحواله وتصرفاته مع الله كما هو في صلاته ، يناجيه في كل نفس ، وسبب ذلك كونه لابد أن يكون في حال من الأحوال ، ولابد أن يكون للشارع وهو الله في ذلك الحال حكم ، أي حكم كان ، وهو سبحانه حاضر مع أحكامه حيث كانت ، فالمراتب تناجيه في كل حال محظور وغير محظور ، لأن الأفعال والتروك ـ وهي أحوال العبد التي تعلقت بها أحكام الحق ـ مقدرة فلابد من وقوعها ، وهو سبحانه خالقها ، فلابد من حضوره فيها ، فيناجيه هذا العبد الذي قد عرف بحضور الحق معه في حاله ، فهذا هو الدوام على الصلاة ، وقالت عائشة تخبر عن حال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [إنه كان يذكر الله على كل أحيانه] تشير إلى ما قلناه ، فإنه قد كان يأتي البراز ، وهو ممنوع أن يذكر بلسانه ربه في تلك الحال ، وقد كان من أحيانه يمازح العجوز والصغير ، ويكلم الأعراب ، ويكون في هذه الأحوال كلها ذاكرا ، وهذا هو الذي يقال فيه ذكر القلب ، الخارج عن اللفظ وذكر الخيال ، وهو قوله صلىاللهعليهوسلم [اعبد الله كأنك تراه] فمن ذكر الله بهذا الذكر فهو جليسه دائما ، وهو الذي أثنى عليه ربه وألحقه بالذين هم على صلاتهم دائمون ، ولما فسر الله الصلاة ما فسرها إلا بالذكر ، وهو التلاوة ، فالعارف هو الذي على صلاته دائم ، وفي مناجاته بين يدي ربه قائم ، في حركاته وسكناته ، فما عنده وقت معين ولا غير معين. ـ وجه آخر ـ ما أثنى الله تعالى على أحد من عباده في كتابه العزيز ، ولا على لسان نبيه في حديثه ، إلا كان الثناء عملا من الأعمال ، ما مدحهم إلا بالأعمال ، وهذا غاية الكرم والجود ، أن يمنحك ويعطيك ويثني عليك بعد ذلك بما ليس لك ، فإنه سبحانه آخذ بناصيتك ، قائدك إلى كل فعل أراده منك أن يوجده فيك وعلى يدك ، وأنت في غفلة لا تشعر ، فمن شعر بتولي الحق سبحانه وتعالى له في أفعاله فهو من الذين قال الله تعالى فيهم (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) لأنهم في مشاهدة الفاعل ومناجاته ، ومن لم يشعر فهو من الذين قال الله تعالى فيهم (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ)