مودع بيد أمينها ، وأودع الله نزول ذلك الأمر إلى الأرض في حركات أفلاكها وحلول كواكبها في منازل الفلك الثامن ، وجعل لكواكب هذه السموات السبع اجتماعات وافتراقات ، وصعودا وهبوطا ، وجعل آثارها مختلفة ، وجعل منها ما يكون بينه وبين كواكب أخر مناسبة ، وجعل منها ما يكون بينه وبين كواكب أخر منافرة ، لا أنهم أعداء ، وإنما ذلك لحقائق خلقهم الله تعالى عليها ، يقضي بذلك ويشغلهم بطاعة ربهم وتسبيحه ، لا يعصون الله ما أمرهم ، كما جاء في خلق مالك خازن النار أنه ما ضحك قط ، بخلاف رضوان الذي خلق من سرور وفرح ، وكلاهما عبدان صالحان مطيعان ليس بينهما عداوة ولا شحناء ، غير أن الآثار هنا في العالم الأسفل تنبعث عن تلك الحقائق ، وعندنا أغراضنا قائمة ، فيقع بيننا التحاسد والعداوة ، والأصل من ذلك ، وأما عدم المنافرة بين المتناسبين منها ، فهو أن أوجد الواحد على خلاف ما أوجد الآخر لا على ضده ، فكل ضد خلاف ، وما كل خلاف ضد ، فإن وكيل السماء السابعة يضاد وكيل السماء السادسة ، حتى أن ما يعمله صاحب السماء السادسة إذا صار وقت الحكم فيه للملك الموكل في السماء السابعة أفسد ما أصلحه صاحب السماء السادسة ، كما يفعل أيضا صاحب السادسة إذا أصلح ما يفسده صاحب السابعة ، وكل ملك ما عنده أنه يفسد ، وإنما يقول في فعله أنه أصلح ، من حيث أنه امتثل فيه أمر ربه ، وأدّى ما أمّن عليه ، وهو الأمر الذي ذكر الله تعالى أنه أوحى في السموات ، فإذا أنست بهذا القدر وعلمت أنه لا يطعن في العقد ، وإلا فأية فائدة كانت في قول الله تعالى : (وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) فبماذا سخرها يا أخي في هذا وأشباهه؟ أليس الله قد سخر العالم ببعضه لبعض؟ فقال : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) وقال : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فذكر أن في السماء أمورا مسخرة لنا مثل الأرض ، فلا يقدح في عقيدة مسلم كونه يعلم ما أوحى في السماء من أمرها وفيما ذا سخرها عالمها ، ولو كان ذلك لاطرد في الأرض وفي السماء ، ونحن في كل زمان نهرب إلى الأسباب التي نصبها الله لنا وعرفنا بها على جهة أنها مسخرة ، لا على أنها فاعلة ، نعوذ بالله ، لا أشرك به أحدا ، وإنما كفّر الشارع من يعتقد أن الفعل للكواكب لا لله ، وأن الله يفعل الأشياء بها ، هذا هو الكفر والشرك ، وأما من يراها مسخرة وأن الله أجراها حكمة فلا ، بل من جهل ما أودع الله فيها وما أوحى