رِسالاتِ رَبِّهِمْ) فأضاف الرسالة إلى قوله (رَبِّهِمْ) لما علموا أن الشياطين لم تلق إليهم أعني إلى الرسل شيئا ، فتيقنوا أن تلك الرسالة من الله لا من غيره ، وهل هذا القدر الذي عبر عنه في هذه السورة المعينة في قوله (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) هل ذلك الإعلام لهذا الرسول بوساطة الملك؟ أو لم يكن في هذا الوحي الخاص ملك؟ وهو الأظهر والأوجه والأولى ، وتكون الملائكة تحف أنوارها برسول الله صلىاللهعليهوسلم كالهالة حول القمر ، والشياطين من ورائها لا تجد سبيلا إلى هذا الرسول حتى يظهر الله له في إعلامه ذلك من الوحي ما شاء ، ولكن من علم التكليف الذي غاب عنه وعن العباد علمه ، فإنه لا يصح القول بأن العبد يعلم بعض القربات إلى الله بعقله لا كلها ، فلا يعلم القربة إلى الله التي تعطي سعادة الأبد للعبد إلا من يعلم ما في نفس الحق ، ولا يعلم ذلك أحد من خلق الله إلا بإعلام الله ، لأن الغيب على قسمين : غيب لا يعلم أبدا وليس إلا هوية الحق ، ونسبته إلينا ، وأما نسبتنا إليه فدون ذلك ، فهذا غيب لا يمكن ولا يعلم أبدا ، والقسم الآخر غيب إضافي ، فما هو مشهود لأحد قد يكون غيبا لآخر ، فما في الوجود غيب أصلا لا يشهده أحد ، وأدقه أن يشهد الموجود نفسه الذي هو غيب عن كل أحد سوى نفسه ، فما ثم غيب إلا وهو مشهود في حال غيبته عمن ليس بمشاهد له ، فإذا ارتضى الله من ارتضاه لعلم ذلك أطلعه عليه علما ، لا ظنا ولا تخمينا ، فلا يعلم إلا بإعلام الله ، أو بإعلام من أعلمه الله عند من يعتقد فيه أن الله أعلمه ، وما عدا هذا فلا علم له بغيب أصلا ، وإنما اختص بهذا الإعلام مسمى «الرسول» لأنه ما أعلمه بذلك الغيب اقتصارا عليه ، وإنما أعلمه ليعلمه ، فتحصل له درجة الفضيلة على من أعلمه به ، لتعلم مكانته عند ربه ، فلهذا سماه رسولا ، وهذا النوع من الغيب لا يكون إلا من الوجه الخاص ، لا يعلمه ملك ولا غيره إلا الرسول خاصة ، سواء كان الرسول ملكا أو غيره ، فإن الله نفى أن يظهر على غيبه أحدا ، وإنما قال بأن الذي ارتضاه لذلك يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ، عصمة له من الشبه القادحة فيه ، فهو علم لا دخول للشبه فيه على صاحبه ، وهذا هو صاحب البصيرة الذي هو على بينة من ربه في علمه ، وله ذوق خاص يتميز به ، لا يشاركه فيه غيره ، إذ لو شاركه لما كان خاصا ، فإذا جاء الرسول به لمن يعلمه فذلك ليس عند هذا المتعلم من علم الغيب ، فإن الرسول قد أظهره الله عليه ، فما هو عند هذا من علم الغيب الذي لا يظهر الله عليه أحدا ، وإنما