لخروجها عن طبعها في ذلك ، لأن النفس مجبولة على حب المال وجمعه ، ولهذا آنسها الحق تعالى بقول نبيه صلىاللهعليهوسلم للأنفس [إن الصدقة تقع بيد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله] وذلك لأمرين : أحدهما ليكون السائل يأخذها من يد الرحمن لا من يد المتصدق ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم يقول [إنها تقع بيد الرحمن قبل أن تقع بيد السائل] فتكون المنة لله على السائل لا للمتصدق ، فإن الله طلب منه القرض ، والسائل ترجمان الحق في طلب هذا القرض ، فلا يخجل السائل إذا كان مؤمنا من المتصدق ، ولا يرى أن له فضلا عليه ، فإن المتصدق إنما أعطى الله القرض الذي سأل منه وليربيها له ، وهذا من الغيرة الإلهية والفضل الإلهي ، والأمر الآخر ، ليعلمه أنها مودعة في موضع تربو له فيه وتزيد ، هذا كله ليسخو بإخراجها ويتّقي شح نفسه ، وفي جبلة الإنسان طلب الأرباح في التجارة ونمو المال ، فلهذا جاء الخبر بأن الله يربي الصدقات ، ليكون العبد في إخراج المال من الحرص عليه الطبيعي لأجل المعاوضة والزيادة والبركة بكونه زكاة ، كما هو في جمع المال وشح النفس من الحرص عليه الطبيعي ، فرفق الله به حيث لم يخرجه عما جبله الله عليه ، فالبخيل بالصدقة بعد هذا التعريف الإلهي وما تعطيه جبلة النفوس من تضاعف الأموال ، دليل على قلة الإيمان عند هذا البخيل ، إذ لو كان مؤمنا على يقين من ربه ، مصدقا له فيما أخبر به عن نفسه في قرض عبده وتجارته ، لسارع بالطبع إلى ذلك كما يسارع به في الدنيا مع أشكاله ، عاجلا وآجلا ، ولهذا سماها الله صدقة ، أي هي أمر شديد على النفس ، تقول العرب : رمح صدق ؛ أي صلب شديد قوي ، أي تجد النفس لإخراج هذا المال لله شدة وحرجا ، كما قال ثعلبة ابن حاطب ، ولما كان القرض فيه سد الخلة ، قالت اليهود (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) أي من أجل فقره طلب القرض منا ، وغابوا عن الذي أراده الحق تعالى من ذلك ، من غاية وصلته بخلقه ، كما جاء في الصحيح [جعت فلم تطعمني] ثم قال تعالى (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) وإن كان الخير كل فعل مقرب إلى الله من صدقة وغيرها ، ولكن مع هذا فقد انطلق على المال خصوصا اسم الخير ، قال تعالى (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) وقال تعالى (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) يعني المال (هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).