فإذا وصلوا منازلهم تلقاهم أهلهم من الحور والولدان ، فيرون جميع ملكهم قد كسي بهاء وجمالا ونورا ، من وجوههم أفاضوه إفاضة ذاتية على ملكهم ، فيقولون لهم : لقد زدتم نورا وبهاء وجمالا ما تركناكم عليه ، فيقول لهم أهلهم : وكذاكم أنتم قد زدتم من البهاء والجمال ما لم يكن فيكم عند مفارقتكم إيانا ، فينعم بعضهم ببعض ، قال تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ). فإن قلت : قال تعالى (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) وجاء في الحديث [لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره] فكان إرسال الحجب بين السبحات وبين الخلق رحمة بهم ، وإشفاقا على وجودهم ، وقد وعد بالرؤية في الدار الآخرة ، فكيف يكون البقاء هناك ، ولا فرق بين الدارين من كونهما مخلوقتين وممكنتين؟ قلنا : إذا فهمت معنى إضافة السبحات إلى وجهه ، وفرقت بين هذا القول وقوله [ترون ربكم] وقوله (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) فعلق الرؤية بالرب ، والإحراق بالوجه ، عرفت حينئذ الفرق بين الخبرين ، ثم عطف فقال في أهل الشقاء.
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ) (٢٤)
الوجه هنا هو حقيقة المسمى وعينه وذاته ، لأن الوجوه التي هي في مقدم الإنسان ليست توصف بالظنون ، وإنما الظن لحقيقة الإنسان ، فإنه تعالى قال :
(تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) (٢٥)
فالوجوه في هذه الآيات عبارة عن النفوس الإنسانية ، لأن وجه الشيء حقيقته وذاته وعينه ، لا الوجوه المقيدة بالأبصار ، فإنها لا تتصف بالظنون ، ومساق الآية يعطي أن الوجوه هنا هي ذوات المذكورين.
(كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) (٢٩)