نعيم الأبد ، وأنتم الآمنون المقيمون الماكثون المكرمون المنعمون ، وأنتم السادة الأشراف الذين أطعتموني واجتنبتم محارمي ، فارفعوا إليّ حوائجكم أقضها لكم وكرامة ونعمة ، فيقولون : ربنا ما كان هذا أملنا ، ولا أمنيتنا ، ولكن حاجتنا إليك النظر إلى وجهك الكريم أبدا أبدا ، ورضى نفسك عنا ، فيقول لهم العلي الأعلى ، مالك الملك ، السخي الكريم ، تبارك وتعالى : فهذا وجهي بارز لكم أبدا سرمدا ، فانظروا إليه وأبشروا ، فإن نفسي عنكم راضية فتمتعوا ، وقوموا إلى أزواجكم فعانقوا وانكحوا ، وإلى ولائدكم ففاكهوا ، وإلى غرفكم فادخلوا ، وإلى بساتينكم فتنزهوا ، وإلى دوابكم فاركبوا ، وإلى فرشكم فاتكئوا ، وإلى جواريكم وسراريكم في الجنان فاستأنسوا ، وإلى هداياكم من ربكم فاقبلوا ، وإلى كسوتكم فالبسوا ، وإلى مجالسكم فتحدثوا ، ثم قيلوا قائلة ، لا نوم فيها ولا غائلة ، في ظل ظليل ، وأمن مقيل ، ومجاورة الجليل ، ثم روحوا إلى نهر الكوثر والكافور ، والماء المطهر والتسنيم ، والسلسبيل والزنجبيل فاغتسلوا ، وتنعموا ، طوبى لكم وحسن مآب ؛ ثم روحوا فاتكئوا على الرفارف الخضر والعبقري الحسان ، والفرش المرفوعة في الظل الممدود ، والماء المسكوب ، والفاكهة الكثيرة ، لا مقطوعة ولا ممنوعة ، ثم تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ ، لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) ثم تلا هذه الآية (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) ـ انتهى حديث أبو بكر النقاش ـ ثم إن الحق تعالى بعد هذا الخطاب يرفع الحجاب ، ويتجلى لعباده ، فيخرون سجدا فيقول لهم : ارفعوا رؤوسكم فليس هذا موطن سجود ، يا عبادي ما دعوتكم إلا لتنعموا بمشاهدتي ، فيمسكهم في ذلك ما شاء الله ، فيقول لهم : هل بقي لكم شيء بعد هذا؟ فيقولون : يا ربنا واي شيء بقي وقد نجيتنا من النار ، وأدخلتنا دار رضوانك ، وأنزلتنا بجوارك ، وخلعت علينا ملابس كرمك ، وأريتنا وجهك ، فيقول الحق جل جلاله : بقي لكم ، فيقولون : يا ربنا وما ذاك الذي بقي؟ فيقول : دوام رضاي عنكم فلا أسخط عليكم أبدا ، فما أحلاها من كلمة وما ألذها من بشرى ؛ وتتفاضل الناس في رؤيته سبحانه ويتفاوتون تفاوتا عظيما على قدر علمهم ، فمنهم ومنهم ، ثم يقول سبحانه لملائكته : ردوهم إلى قصورهم فلا يهتدون لأمرين : لما طرأ عليهم من سكر الرؤية ، ولما زادهم من الخير في طريقهم فلم يعرفوها ، فلو لا أن الملائكة تدل بهم ما عرفوا منازلهم ،