مشيئة كل مشيء ، فإن مشيئة العبد إذا وقعت وتعلقت بالمشاء قد يكون المشاء وقد لا يكون ، ولهذا شرع الله لنا إذا قلنا نفعل كذا أن نقول : إن شاء الله ، حتى إذا وقع ذلك الفعل الذي علقناه على مشيئة الله كان عن مشيئة الله بحكم الأصل ، ولم يكن لمشيئتنا فيه أثر في كونه ، لكن لها فيه حكم ، وهو أنه ما شاء سبحانه تكوين ذلك الشيء إلا بوجود مشيئتنا ، إذ كان وجودها عن مشيئة الله ، فلابد من وجود عين مشيئتنا وتعلقها بذلك الفعل ، ومن عرف الأمور عرف حكم مقت الله بمن يقول مالا يعمل من غير أن يقرن به المشيئة الإلهية ، فإذا علق المشيئة الإلهية بقوله أن يعمل فلا يكون ذلك العمل ، لم يمقته الله ، فإنه غاب عن انفراد الحق في الأعمال كلها التي تظهر على أيدي المخلوقين بالتكوين ، وأنه لا أثر للمخلوق فيها من حيث تكوينها ، وإن كان للمخلوق فيها حكم لا أثر ، فالناس لا يفرقون بين الأثر والحكم ، فإن الله إذا أراد إيجاد حركة أو معنى من الأمور التي لا يصح وجودها إلا في مواد ، لأنها لا تقوم بأنفسها ، فلابد من وجود محل يظهر فيه تكوين هذا الذي لا يقوم بنفسه ، فللمحل حكم في الإيجاد لهذا الممكن ، وما له أثر فيه ، فهذا الفرق بين الأثر والحكم ، ولذلك شرع الحق الاستثناء الإلهي ليرتفع المقت الإلهي عنهم ، ولهذا لا يحنث من استثنى إذا حلف على فعل مستقبل ، فإنه أضافه إلى الله لا إلى نفسه ، وهذا لا ينافي إضافة الأفعال إلى المخلوقين ، فإنهم محل ظهور الأفعال الإلهية ، فقوله تعالى (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) عزاء أفاد علما ، ليثبت به العبد في القيامة حكما ، فهو تلقين حجة ، ورحمة من الله وفضل ، أي أن العبد مجبور في اختياره.
(يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (٣١)
لو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له ، من عدم مبالاة الحق بأهل الشقاء ما وقع الأخذ بالجرائم ، ولا وصف الله نفسه بالغضب ، ولا كان البطش الشديد ، فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ ، إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعد له ، وقد قيل في أهل الشقاء (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) فلو لا المبالاة ما ظهر هذا الحكم.