لك نص ، وإن لعن الشيطان فبالمعنى الأول ، فبهذا المعنى تخالف الشيطان ، فإنه قد نص عليه بالعصيان ، وليس لك سبيل إلى مخالفة الهوى وحصول الإسلام إلا بمفارقة قرناء السوء في الظاهر أولا ، ومجانبة صحبة الأحداث والاستقامة ، وينضبط لك إن كنت منفردا عن حضرة شيخ كامل بالعزلة عن كل قاطع ، سيما أربعة أشياء : الكلام ، والتأذي بأذى الأنام ، والطعام ، والمنام ، أو بعبارة أخرى : بالصمت ، والعزلة ، والجوع ، والسهر. قال صلىاللهعليهوسلم [من صمت نجا] وهو من آثار العزلة ، وقال صلىاللهعليهوسلم [الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش] وقال صلىاللهعليهوسلم لعائشة رضي الله عنها [داومي قرع باب الجنة ، قالت : بماذا يا رسول الله؟ قال : بالجوع والعطش] ، وبه يحصل صمت اللسان ، وقلة الكلام ، والذلة والانكسار من جميع الشهوات ، ويذهب الوسواس بها فيسلم من آفاتها ، وبالجوع يحصل السهر للعين. ومخالفة النفس هو الموت الأحمر ، وهو حال شاق عليها ، ولا تخالف النفس إلا في ثلاثة مواطن : في المباح ، والمكروه ، والمحظور لا غير ؛ ولا يعتبر هنا إلا جانب الشريعة خاصة ، فإنها التي وضعت الأسباب الفاضلة ، التي بفعل ما أمرت بفعله ، وترك ما نهت عن فعله ، وجبت السعادة ، وحصلت المحبة الإلهية. فإذا كان عملك عن أثر إلهي مشروع خرجت عن هوى نفسك ، ولو وافقت الهوى ، وتكون ممن نهى النفس عن الهوى ، وهنا نكتة فإنه تعالى قال :
(فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (٤١)
والجنة ستر والإيواء ستر ، فإن النهي عن الهوى لا يكون إلا من أديب أو مستور عنه الحق في الأشياء ، فإنه لو كان صاحب كشف لكان هواه ما ارتضاه الله وأراد إمضاءه ، ويقول تعالى لصاحب المقام المطلق في تجلي الحق في صور الاعتقادات : إن مقامه ستر هذا العلم بالله الذي حصل له حتى لا ينكره عليه صاحب الاعتقاد المقيد أو يجهّله وربما كفّره ـ اعتبار ـ النفس إذا سافرت في صحبة هواها أضلها عن طريق الرشد والنجاة وما فيه سعادتها ، فقال تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) يعني أن تسافر معه ، فإنه على الحقيقة عبدها ، لأنه من جملة أوصافها الذي ليس له عين إلا بوجودها ، فهي المالكة له ، فإذا تبعته صار مالكا لها ، وهو لا عقل له ولا إيمان ، فيرمي بها في المهالك