لكونه أعمى ، أي لا تتطير ، فنهاه عن الطيرة ، فمن هنا كان يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة ، وهو الحظ من المكروه ، والفأل الحسن الحظ والنصيب من الخير ، فما تلهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الأعمى إلا لحبه في الفأل ، وما جاء الله تعالى بالأعمى ، إلا لبيان حال مخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعمى هؤلاء الرؤساء ، وعلم بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولكن وقف مع حرصه على إيمانهم والوفاء بالتبليغ الذي أمره الله به ، ولأن صفة الفقر صفة نفس المخلوق ، وقد علم صلىاللهعليهوسلم أنه الدليل ، فإن الدليل لا يجتمع هو والمدلول ، وهو دليل على غنى الحق ، وقد تجلى في صفة هؤلاء الرؤساء ، فلابد من وقوع الإعراض عن الأعمى والإقبال على أولئك الأغنياء ، ومع هذا كله وقع العتاب جبرا للأعمى ، وتعريفا بجهل أولئك الأغنياء ، فجبر الله قلب الأعمى وأنزل الأغنياء عما كان في نفوسهم من طلب العلو فانكسروا لذلك ، ونزلوا عن كبريائهم بقدر ما حصل في نفوسهم من ذلك العتاب الإلهي. واعلم أن الملك العزيز في قومه ما جاء إليك ولا نزل عليك إلا وقد ترك جبروته خلف ظهره ، أو كان جبروتك عنده أعظم من جبروته ، فعلى كل حال قد نزل إليك ، فأنزله أنت منزلته من نفسه التي يسر بها تكن حكيما ، وما عاتب الله نبيه في الأعمى والأعبد إلا بحضور الطائفتين ، فبالمجموع وقع العتب ، وبه أقول لا مع الانفراد ، فتعظيم الملوك والرؤساء من تعظيم ربك ، وتعظيم الفقراء جبر لا غير لانكسارهم في فقرهم.
(كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَن شَاء ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ) (١٣)
اللوح المحفوظ فيه قدر ما يقع به التصريف في الدنيا إلى يوم القيامة ، يتضمن ما في العالم من حركة وسكون ، واجتماع وافتراق ، ورزق وأجل ، وعمل ، ثم أنزل ذلك كله في كتاب مكنون إلى السماء الدنيا ، وهي قوله تعالى (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ).
(مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ) (١٤)
يعني التذكرة التي هي الرسالة ، التي تنزل بها الملائكة فيها توقيعات إلهية بما وعد الله المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاءت به رسله من اليوم الآخر والبعث الآخر ، وما يكون في ذلك اليوم من حكم الله في خلقه.