فيقول له : وإن كنت تعظم صفتي حيث تراها لغلبة شهودك إياي ، فقد أمرتك أن لا تشاهدها مقيدة في المحدثين ؛ فهذا من التأديب الإلهي لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، فترك رسول الله صلىاللهعليهوسلم تعظيم عزة الله إذا اتصف بها أحد من عباد الله. واعلم أن الغنى وإن كان بالله ، والعزة وإن كانت بالله ، فإنهما صفتان لا يصح للعبد أن يدخل بهما على الله تعالى ، وإن كان بالله فيهما ، فلابد أن يتركهما ويدخل فقيرا ذليلا. ومعنى الدخول التوجه إلى الله ، فلا يتوجه إلى الله بغناه به ولا بعزته به ، وإنما يتوجه إلى الله بذله وافتقاره ، فإن حضرة الحق لها الغيرة الذاتية ، فلا تقبل عزيزا ولا غنيا. وهذا ذوق لا يقدر أحد على إنكاره من نفسه ، فإن الغنى معظم في العموم حيث ظهر وفيمن ظهر ، والخصوص ما لهم نظر إلا في الفقر فإنه شرفهم ، فلا يبرحون في شهود دائم مع الله ، وما راعى الحق في عتبه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا جهل من جهل من الحاضرين ، أو من يبلغه ذلك من الناس بمن تصدى له رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلو عرفوا الأمر الذي تصدى له رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما عتبه ، ولا كان يصدر منهم ما صدر من الأنفة في مجالسته صلىاللهعليهوسلم الأعبد ، فهل هذا إلا لذهولهم عن عبوديتهم للذي اتخذوه إلها؟! فإن كانت الآية جاءت عتبا في حق فهم العرب ، لكن من يعلم مرتبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذوقه وشهوده يجعل الضمير في له في قوله تعالى :
(فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى) (٦)
لله فلم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم له شهود إلا غنى الحق ، وأن عزته تعالى هي الظاهرة في كل عزيز ، فما تعدى ، من إذا شهد صفة الحق تصدى ، ولكن خاطبه الله تعالى بما يناسب الموطن ، والتكليف للدعوة يقول : إنه لما شاهد صفة الحق وهي غناه عن العالم تصدى لها ، حرصا منه أن يزكي من ظهر بها عنده فقيل له :
(وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) (٧)
ولك ما نويت وحكمه ، لو تزكى لما فاتك شيء ، سواء تزكى أم لم يتزكّى.
(وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (١٠)